نظام النفي والكذب والتكذيب …..
أحمد الجارالله
في الوقت الذي بدأ فيه لبنان يخرج من عين العاصفة.. عاصفة الصراع العربي الاسرائيلي والايراني الاميركي, لا تزال هناك قوى في الداخل اللبناني ملتزمة باجندة النظام السوري, وتأمل بعودة الايام الى سابق ما كانت عليه حيث كانت هذه القوى تذبح بالظفر السوري, وتتقوى بمخابرات النظام, هذه القوى المتهالكة, وفي طليعتها تحالف حسن نصرالله وميشال عون, لاتزال تسعى الى حكومة اتحاد وطني تحل مكان حكومة السنيورة, كما هي الرغبة السائدة في دمشق, ومن ضمن تصورها ان حكومة الاتحاد الوطني ستعيد إليها ايام العز السابقة حين كانت تحكم البلد بأحذية المخابرات.
نحن نقول إن هذه الاحلام ستظل محبوسة في صدور اصحابها, كون دمشق, وحتى هذه اللحظة تلتزم بكلام الليل الذي يمحوه النهار, وبالتالي لا قول لها ولا فعل, بل هي كتلة انفعالية مزاجية تحكمها هواجس الخوف وصفات التردد.
بشار أسد غطى عنان الشمس بيد, والقمر بيد, وقال له انه مع ترسيم الحدود مع لبنان, ومع تبادل التمثيل الديبلوماسي, وسيساهم مع دوريات الجيش اللبناني في مكافحة تهريب الاسلحة الى حزب الله وسيكون خير من يساعد على تطبيق القرار 1701 والى ما هنالك من وعود براقة, وامس خرج وزير اعلامه على الملأ ليقول إن ما قاله رئيسه صحيح, لكن تنفيذ هذه الوعود يحتاج الى الظروف الملائمة, بما يوحي ان لا شيء من وعود اسد الى كوفي عنان سيطبق, فالرجل يتحدث بلسانين ولغتين ويمارس لعبة الكذب والتكذيب في آن معا, وهو في الآخر غير مدرك لما يقوله, وغير مدرك اساسا لاهمية موقعه ولوظيفته كحاكم للبلاد وللعباد.
ورئيس دولة كبشار أسد, وبهذه الصفات السلبية المتراكمة فيه, كيف ستتعامل معه الدول, وكيف ستثق به وبالتزاماته وهو على هذا القدر من المواقف المتناقضة?وكلنا يذكر ما وعد به وزير الخارجية الاسباني موراتينوس, في اوج الحرب الاسرائيلية على لبنان, من انه سيستثمر موقعه ونفوذه للضغط على حزب الله من اجل التوقف عن الاعمال الحربية, وفي اليوم التالي, وبعد ان صرح موراتينوس بذلك سارعت اجهزة أسد الى النفي , وان ما قاله الوزير الاسباني غير صحيح ولا اساس له من الصحة والعجيب ان أسد ارسل لاحقا موفدا سوريا للوزير الاسباني ليشرح له اسباب النفي, وليطلب منه عدم المؤاخذة, وكذلك كان الكذب يجري على عمرو موسى من قبل وعلى رؤساء دول حاولوا مع النظام السوري فنالهم الكذب منه.
هذا هو بشار أسد, يقول كلاما في الليل سرعان ما يمحوه النهار, وكلامه كما يقال مدهون بزبدة سرعان ما ينزلق من فمه وسرعان ما يذوب ويتلاشى.
في جو نظام سوري يرأسه انسان بهذه الشاكلة التناقضية كيف يمكن ان تثق به دول, او حتى منظمات وفصائل وازلام? لكن رغم اللهجة الاستغرابية للسؤال, لاتزال الهوة تتسع بين نظام أسد وبين الواقع السياسي العربي والدولي الذي يعيش فيه, وبدأ الكثيرون من سياسيي لبنان يخرجون من دائرة الانجذاب السوري والدوران في محوره, ويعودون الى الالتزام بقضايا وطنهم لبنان الذي يمثل الارض الوحيدة التي يمكن لهم ان يعيشوا فوقها بكرامة بعيدا عن احذية رجال المخابرات السورية التي كانت تنهال صفعا على وجوههم في الليل كما في النهار.
من هذه الشخصيات نبيه بري, رئيس مجلس النواب اللبناني, الذي اكتشف آخر الامر ان استمرار السير على خطى حزب الله في الولاء الابدي للنظام السوري والايراني, سيهدد لبنانية الطائفة الشيعية, وسيدفع بابنائها ليكونوا كلهم خوارج على الدولة, وعلى المجتمع, وليكونوا جالية غريبة في بلدها... نبيه بري الآن هو الوريث الحقيقي للامام موسى الصدر, والذي كان لبنان يمثل عنده وطنا نهائيا وابديا لكل ابنائه, نبيه بري بهذا الارث الوطني, غير الايراني, لحركة أمل فضح حزب الله, وفضح خياراته المفروضة على ابناء الطائفة الشيعية بقوة السلاح, واولها خيار الاعتقاد بنظرية ولاية الفقيه الايرانية السياسية, وخيار الاعتماد على مرجعية ايران الوحيدة, وتقليصها من دون تعدد, وهي المرجعية الاجنبية البعيدة التي لا تخص احدا كما تخص ذاتها والذين يتبعونها ويقلدونها من الشيعة غير العرب.
نبيه بري صوت يحتاج إليه شيعة لبنان الذين غابت عن رؤوسهم اطياف الارهاب الفكري لحزب الله وذهب ماله السياسي الآتي من ايران, وذهب سلاحه, ولم يبق امامه من خيارات العيش الا البقاء في الظلال اذا تمسك بترجيح ايرانيته على وطنيته اللبنانية.
ان موقف بري لا يحتاجه لبنان وشيعة لبنان في هذه الايام, بل تحتاجه المنطقة كلها, اذ اظهر الوجه الوطني التقي لابناء المذهب الجعفري, واثبت ان الموقف الايماني لا يشترط التبعية الايرانية, ولا اعتناق نظرية ولي الفقيه, ولا حصر التقليد بحوزة قم الفارسية.
موقف نبيه بري مهم جدا, ومطلوب للتطور, على الاقل لرفع يد النظامين السوري والايراني عن بعض الشؤون الداخلية للبنان ولمساعدة المجتمع الدولي على التخلص من نظام يعتمد على الكذب والتكذيب, والمراوغة الشقية, والتظاهر بالالتزام, ولقطع الطريق امام تحالف نصرالله وعون الذي مازال يحلم بقلب الاوضاع, وارجاع النظام السوري الى حكم لبنان ثانية من عنجر واوكارها.