لا للحلف الثلاثي الجديد ......
جبران تويني
يبدو ان قرار "الهجوم" على لبنان الذي اعلنه الرئيس بشار الاسد في خطابه الاخير، جدي وقد بدأ النظام السوري التخطيط له من اجل نسف الاستقرار على الساحة اللبنانية. ومما لا شك فيه ان النظام البعثي الامني السوري يهدف من هذه الخطة الى محاولة وضع يده على لبنان مرة جديدة، وفرض وصايته على اهله من خلال ضرب ما انجزته انتفاضة الاستقلال بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.
والواضح ان هذا النظام يتّكل خصوصاً في خطته هذه على تحالفه الاساسي والوحيد مع النظام الايراني الذي بات ينسّق مع دمشق بشكل دائم ومنتظم، ان على مستوى المواقف العربية والاقليمية، او المواقف الدولية، وذلك في ضوء استراتيجيا ايرانية واضحة حيال المنطقة.
ويسعى النظام السوري اليوم، تنفيذاً لتلك الخطة، الى اعادة تجميع ما تبقى من قوى متعاملة معه على الساحة اللبنانية وفي مقدمها الرئيس اميل لحود، وذلك بهدف ايجاد امر واقع لبناني جديد انطلاقا من الحرب التي اعلنها الرئيس الاسد على لبنان السيادة والحرية والاستقلال في خطابه الاخير.
وفي هذا السياق راحت ابواق النظام السوري تهيئ الاجواء لتنفيذ الخطة، من خلال تعبئة واضحة ضد الحكومة اللبنانية، والشعب اللبناني. وسبقت هذه التعبئة اجتماعات عدة عقدت في دمشق مع من تبقى من "حلفاء" للنظام الامني السوري في لبنان بغية تنظيم تظاهرات مفتعلة في مناطق عدة ترافقها "بلبلة امنية" تستهدف نسف الاستقرار الامني والسياسي، في توهّم من دمشق ان هذا الامر يفعّل دورها كلاعب اساسي على الساحتين الاقليمية والدولية! .
بمعنى آخر ان النظام الامني السوري يحاول من خلال تحريك الساحة اللبنانية، اصابة "عصفور بحجرين" فيسيطر على لبنان مجددا ويعاود في الوقت نفسه "لعبة" الابتزاز على المجتمع الدولي من اجل تحقيق مكاسب يفيد منها هذا النظام خصوصاً.
والمضحك في هذا السياق ان النظام السوري قرر اعلان ساعة الصفر لاطلاق الحرب على لبنان التي "بشرنا" بها الرئيس الأسد، بشكل علني وواضح من خلال جريدة "تشرين" الناطقة الرسمية باسم النظام البعثي الحاكم في دمشق، والتي حددت اليوم الخميس الموعد الاول للتحرك السوري على الساحة اللبنانية من اجل اسقاط الحكومة وضرب الاستقرار. ولم تكن مصادفة ان يأتي هذا الاعلان بعد زيارة وزير الخارجية الايراني لدمشق. والغريب ان جريدة "تشرين" تصرّفت كأنها من يصدر الاوامر لمن تبقى من مجموعات متحالفة مع النظام السوري في لبنان.
كما يبدو ان هذا المخطط جاء بالتنسيق مع ما يسمى "الحلف الثلاثي الجديد"، او حلف الاسد – لحود – احمدي نجاد (نسبة الى الرئيس الايراني)، علماً ان هذه المحاولة الجديدة التي اعلنتها جريدة "تشرين" البعثية، تأتي بعد فشل النظام السوري في استعمال ورقة الفصائل الفلسطينية المتطرفة التابعة له لاثارة بلبلة امنية على الساحة اللبنانية، وبالاخص مع الجيش اللبناني.
ويستوقفنا هنا سعي دمشق الى تحويل بعض المجموعات السياسية المتحالفة معها على الساحة اللبنانية، الى "ادوات تنفيذية" خاضعة لها ولطهران ومن بينها "حزب الله" وبعض الحركات النقابية، وخصوصا تلك التي صنعتها في السابق الاجهزة الامنية اللبنانية – السورية المشتركة. ويبدو واضحا ان دمشق تعمل لجعل "حزب الله" يبدو بمثابة "حصان طروادة" ثان الى جانب حصانها "الطروادي" الاساسي الرئيس اميل لحود. فهل يقبل "حزب الله" اليوم ان يتحول من بطل المقاومة والتحرير الى "بطل" تحريك الشارع بهدف نسف الاستقرار تنفيذاً لاوامر الرئيس الاسد ولرغبات نظامه الامني، مما يجعله يخسر دوره في التجاوب مع بعض الحركات المطلبية الاجتماعية والاقتصادية. لا نظن ان "حزب الله" في وارد توظيفه سورياً عبر تظاهرات سياسية مصطنعة هدفها افتعال ازمة سياسية في لبنان من اجل تغطية الازمة السياسية في سوريا التي وُضع نظامها في واجهة الشبهة باغتيال الرئيس الحريري حتى اثبات العكس.
ان المخطط السوري بات واضحا، ويعتمد التضليل والتوريط، أكان على مستوى توزيع الاخبار المفبركة كالذي نشر في جريدة "تشرين" حول "التظاهرة البرتقالية" ام حول ما يروّجه النظام السوري من ان حركة "امل" و"حزب الله" قد حسما خيارهما بالوقوف بجانب النظام الامني السوري – فهل من المعقول ان نتصور ان الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله قد يوافقان على ان يصبحا أداة تنفيذية في يد الرئيس بشار الأسد؟ - في مواجهة الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني الذي انتفض من اجل استرجاع سيادته واستقلاله وقراره الحر. وهذه الاساليب التي يعتمدها اليوم النظام البعثي في دمشق باتت مكشوفة، وقد استعملها طوال احتلاله للبنان عبر سياسة فرّق تسد التي استهدفت بها العائلات اللبنانية والاحزاب والطوائف والمذاهب طوال ثلاثين عاما! .
ان سوريا تلعب اليوم، ويا للأسف ورقتها الاخيرة، بمحاولتها اليائسة لاعادة بسط وصايتها على لبنان. فمن تراه في لبنان يقبل ان يكون اداة في يد النظام السوري غير الرئيس اميل لحود وحفنة من السياسيين الذين يدينون بزعامتهم وادوارهم لنظام الوصاية والتبعية السوري؟ ومن في لبنان مستعد اليوم لأن يكون سلاحا بين يدي الرئيس الاسد ونظامه يحاربان به حكومة بلده وشعبه؟ وهل يريد "حزب الله" ان يكون جزءاً من الهجوم على لبنان وتهديد الاستقرار فيه؟ .
ان ما نريده حقا، وبكل صراحة، هو ان يكون الحزب جزءا من الاستقرار وشريكاً سياسياً فاعلاً في اعادة بناء لبنان الوطن والشعب والمؤسسات. إلا أن هذا لا يعني أبداً اننا غير مدركين المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والانسانية التي يتخبّط فيها المواطن، وان من واجب الحكومة ايجاد خطة واضحة لمعالجتها جدياً وعلمياً، ولكن هذا لا يعني ان اسقاط الحكومة اليوم من خلال تحريك الشارع ضدها سيحل تلك المشاكل، بل على العكس فهو سيصب مباشرة في خانة خدمة النظام الأمني السوري.
ان الشعب اللبناني مع حركة مطلبية لبنانية حقيقية اصيلة وسلمية هدفها ايجاد حلول للمشاكل الاجتماعية، وتحصين الوحدة الداخلية وحماية الوطن من اي تدخلات واخطار خارجية. ولكن حركة كهذه لا يمكن ان تقوم باوامر من بشار الاسد، ولا بتخطيط من مخابرات النظام الامني السوري، ولا على اساس استراتيجيا سورية – ايرانية.
فأي تحرّك في الشارع اليوم ضد الحكومة هو تحرك ضد الشعب والوطن، وكل من يدعم مثل هذا التحرك بكل بساطة اداة عميلة من ادوات الحرب ضد البلد، تلك الحرب التي اعلنها الرئيس السوري بهدف الغاء استقلال لبنان ودوره ورسالته. فهل يعقل ان يكون في لبنان من يريد المساهمة في اغتيال الحلم الوطني تنفيذا لحلم اعداء الاستقلال عشية احتفال اهله بعيده، احراراً للمرة الاولى منذ اكثر من ربع قرن؟
فهل يتفهّم النظام الامني السوري ورئيسه هذا الواقع اللبناني الجديد، ويكف نهائياً عن مؤامراته ومخططاته الجهنمية؟ .
بل هل يفهم؟ .