معركة تحرير الرئاسة الأولى ......
جبران التويني
نتفهم ونفهم تماماً بيان المطارنة الموارنة الذي صدر امس وجدّد تمسّكه بالدستور اللبناني في الموضوع الرئاسي.
فهذا الموقف الجديد – القديم اتخذته بكركي يوم عُدّل الدستور تحت سطوة الترهيب السوري من اجل التمديد للرئيس اميل لحود. وكان لبكركي آنذاك موقف واضح يرفض التعديل كما يرفض التدخل السوري.
فبكركي كانت وستبقى، وعن حق، تتمسك بمبدأ احترام القوانين وفي مقدمها الدستور. وانطلاقا من هذا المبدأ بالذات نلتقي وبكركي في رفضنا المشترك لأي عمل انقلابي على الدستور كالذي حصل صيف 2004 واعقبته، بسبب رفض هذا العمل الانقلابي، محاولة اغتيال مروان حماده ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.
وعلى هذا الاساس نعود لنذكّر ايضاً وايضاً بأن مبدأ تعديل الدستور مرفوض كما مبدأ اسقاط رئيس الجمهورية في الشارع، بطريقة انقلابية.
لكن هذا لا يعني ابداً ان نمتنع عن المطالبة، وعن حق، بأن يستقيل الرئيس لحود الذي مُدّد له بطريقة غير قانونية وغير دستورية وبتدخل وتهديد مباشر من النظام السوري، نظام الوصاية يومها. وهذا يعني ان الرئيس لحود هو اليوم امتداد للنظام السوري، نظام الوصاية والاحتلال، ويمثل فعلاً ما تبقى من متعاملين مع هذا النظام في لبنان.
بمعنى آخر، ان وضع الرئيس لحود يشبه وضع الماريشال بيتان في فرنسا الذي تعامل مع الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية، كما يشبه وضع كل رؤساء المعسكر الشرقي الذين كانت تعيّنهم سلطة الوصاية السوفياتية وقد سقطوا يوم سقط الاتحاد السوفياتي ومعه كل الانظمة التوتاليتارية المخابراتية القمعية التي كانت صنيعته.
ولا نريد ان يُفهم كلامنا انه يستهدف موقع الرئاسة الاولى او موقع الطائفة المارونية الكريمة، او المسيحيين خصوصاً واللبنانيين عموما.
لأن مطالبتنا برحيل الرئيس لحود تأتي دفاعا عن موقع الرئاسة الاولى والموارنة والمسيحيين، لأن بقاءه في الحكم هو الذي يؤثر سلبا على الرئاسة والمذهب والطائفة، بل على لبنان عموما. فقد افقد اميل لحود الرئاسة قيمها ودورها ورسالتها. اذ على رئيس الجمهورية في لبنان ان يجمع لا ان يفرّق ويمثّل كل فئات الشعب لا فئة معينة منه، ويقوم بدور الحكم ويكون خصوصاً امينا على الدستور والسيادة والاستقلال.
اما الواقع فمختلف تماماً. لأن الرئيس لحود قد فقد دوره كليا، ولم يكن مرة حَكَماً، ولا ممثلا لاكثرية اللبنانيين ولا لاكثرية الموارنة او المسيحيين. وهو اليوم طرف اساسي، اذ انه يمثل النظام الامني السوري في البلد، وهو يحتمي بالدستور ليستمر في موقعه ودوره، مؤمّنا العمق اللوجيستي والوجود السياسي لهذا النظام المتهم اليوم دولياً بالضلوع في اغتيال زعيم لبناني كبير، وزعيم عربي وسنّي ذي وزن دولي.
ولا ننسى ان الرئيس لحود تنازل عن دوره ورسالته وقسمه يوم خالف الدستور وساهم في طعنه لمصلحته الشخصية، ومصلحة دولة غريبة، ويوم ساهم في ضرب ميزات لبنان من طريق اقامة نظام امني على حساب الديموقراطية والحرية. وكان شريكا خصوصا في ترسيخ الوصاية السورية، بل الاحتلال، وتعريض لبنان للتذويب والغاء سيادته واستقلاله، تنفيذاً لاوامر الباب العالي في دمشق! .
واننا نتوجه الى المتمسكين بالرئيس لحود بالسؤال الآتي: هل دور رئيس الجمهورية اللبنانية تأمين الغطاء السياسي للنظام السوري والدفاع بكل شراسة عن الاركان اللبنانيين لهذا النظام والذين اوقفهم القضاء بتهمة التآمر لاغتيال الرئيس الحريري، وهم كانوا اقرب اعوانه ونعني الرئيس لحود؟ .
فنحن هنا لا نتهم الرئيس لحود، حتى اشعار آخر، بأنه شارك في اغتيال الرئيس الحريري، ولكننا نتهمه بأنه يغطي المتهمين مباشرة وهذا يعني أنه متهم بتغطية جريمة ومجرمين، مما يقود الى اعتباره معنويا وقضائياً – لولا تمتع الرئيس بحصانته – تعاوناً مباشراً في الجريمة!
فهل يجوز ان يكون على رأس الجمهورية الجديدة المتحررة من الاحتلالات، بعد انتفاضة الاستقلال، شخص عيّنه الاحتلال من اجل تغطية الجرائم وتكريس الوصاية والعمل لالغاء لبنان وخصوصيته؟ . بل هل يجوز ان يصبح موقع الرئاسة الاولى معزولاً دولياً بسبب وجود اميل لحود في سدة الرئاسة؟ .
واي ذنب ارتكبت الطائفة المارونية والمسيحيون عموما حتى يفرض عليهم عزل سياسي على مستوى الدولة، بينما اميل لحود متربع في سدة الرئاسة حلفاؤه الوحيدون في العالم اثنان هما بشار الاسد والرئيس الايراني، وكلاهما معزولان دوليا؟ فيا له من حلف ثلاثي!!
وهل من المعقول في هذه الظروف الدولية والعربية الدقيقة ان يقال ان موقع الرئاسة الاولى العائد الى المسيحيين يساهم اليوم في تغطية جريمة العصر في العالم العربي، الجريمة التي وصفها المجتمع الدولي بالارهابية، متحديا العدالة الدولية والمجتمع الدولي بأسره؟ وهل تخدم هذه السياسة موقع الرئاسة الدور التاريخي للمسيحيين المشرقيين؟ .إلا إذا كان نظام الوصاية والاحتلال أراد من خلال هذا الدور الذي أُسند الى لحود والذي يقضي بتمسكه بالرئاسة، ضرب خصوصية المجتمع اللبناني التعددي ودور المسيحيين المشرقيين ورسالتهم في العالم العربي؟ .
حيال مؤامرة كهذه تصبح بقية التهم في حق الرئيس لحود ومحيطه، وصولا الى اقربائه واصدقائه، وبالاخص تلك التي ثبت دوليا من خلال التحقيقات انها حقيقية مثل فضيحة كوبونات النفط التي طاولت عائلته، تصبح كل التهم بالفساد والصفقات وتبييض الاموال وسائر الاعمال المافياوية ثانوية!
لقد انتفض لبنان يوم اغتيل الرئيس رفيق الحريري، ويوم 14 آذار تحول الغضب ثورة وطنية طالبت بالحقيقة والحرية والسيادة والاستقلال. وبعدها، انسحبت القوات السورية وجرت انتخابات نيابية وبدأ لبنان ينتقل من عصر الوصاية الى عصر الاستقلال مع تأليف الحكومة الاولى.
ولكن لا استقلال حقيقياً ولا سيادة كاملة ما دام ما تبقى من نظام الوصاية والاحتلال "يحتل" مركز الرئاسة الاولى.
ومن غير الطبيعي ان يكون لبنان محكوماً بخطين سياسيين متناقضين هما: خط استقلالي دفع ثمن معركته غاليا جدا، وخط "تبعي" يمثل الوصاية والاحتلال.
ان المعركة اليوم ليست من اجل انتخاب رئيس جديد، بل من اجل تحرير موقع الرئاسة الاولى.
فلا سيادة حقيقية، ولا استقلال حقيقياً، ولا حصانة حقيقية للجمهورية قبل ان تسترجع الرئاسة الاولى سيادتها واستقلالها!