متى تعود دمشق الى رشدها ؟ .....
جبران تويني
بين مسرحية هسام هسام في دمشق، واستعراض فاروق الشرع في برشلونة، يحاول النظام الامني السوري مرة جديدة كسب الوقت من اجل الالتفاف على المجتمع الدولي والتهرب من محاكمته ومحاسبته في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. ولقد اعتاد لبنان طوال عهد الوصاية السورية عليه سياسة التهديد والترغيب التي كانت تمارسها دمشق. فسياسة الكلام المعسول من جهة والسيارات المفخخة والاغتيالات من جهة اخرى، كانت ولا تزال احدى ثوابت دمشق في لبنان.
وقبل ان يجف حبر خطاب الرئيس بشار الاسد الذي اعلن فيه صراحة الحرب على لبنان، في محاولة منه لاسقاط نظامه الاستقلالي، كان الوزير الشرع "يبيع" الرئيس فؤاد السنيورة كلاما ردده اكثر من مئتي مرة حول مزارع شبعا. ولقد اصبح هذا الكلام، لكثرة تكراره، بمثابة شيك بلا رصيد لا يصرف الا في مصارف النظام الامني السوري المفلس اصلا في كل شيء. ولا لزوم هنا للتذكير بأن اعتراف سوريا بلبنانية مزارع شبعا يحتاج الى اكثر من موقف لوزير خارجيتها.
فالمطلوب، ونكررها للمرة الالف، وثيقة رسمية من الحكومة السورية موقعة ومختومة رسميا وموجهة الى الدولة اللبنانية والى الامم المتحدة، تعلن بوضوح اعتراف سوريا بسيادة لبنان على مزارع شبعا، مع تحديد جغرافي لتلك المزارع من خلال ترسيم رسمي للحدود اللبنانية – السورية ترسله الدولتان الى الامم المتحدة التي عليها ان تتخذ في هذا الشأن الاجراءات اللازمة التي تفرضها القوانين والانظمة الدولية للاعتراف بلبنانية المزارع.
كذلك لا لزوم للتذكير هنا بموقف سوري آخر مناقض لموقف الشرع، يدخل ايضا في لعبة مزدوجة هدفها كسب الوقت، ونعني بذلك موقف رئيس الحكومة السورية ناجي العطري الذي ارسل كتابا الى الرئيس السنيورة يوافق فيه على ترسيم الحدود بدءا من الشمال، باستثناء مزارع شبعا، بالطبع، لتبقى كالعادة اداة ابتزاز ونزف في يد النظام الامني السوري الذي لا يريد حلا حقيقيا، ولا اعترافا بلبنانية المزارع، وهو الذي يرفض اصلا مبدأ الاعتراف بلبنانية لبنان!
ويا ليت الشرع احضر معه الى برشلونة رسالة من رئيس حكومته تلغي الرسالة الاولى، وسلمها الى الرئيس السنيورة مع تصريحه.
ومن السخرية ان "نسكر" بكلام الشرع المعسول، مع ان لبنان كان ولا يزال يفتش دائما عن المواقف السورية الايجابية لاستثمارها في تصحيح الخلل القائم في العلاقات الثنائية بين البلدين. وكنا نتمنى ان يوجه الوزير الشرع اعتذاراً علنياً باسمه وباسم رئيسه بشار الاسد عن الكلام المهين الذي وجهه الاخير الى رئيس حكومة لبنان والى مجلسه النيابي والى الشعب اللبناني بأكمله، قبل ان يبدأ أي حوار مع الرئيس السنيورة الذي وصفه الرئيس السوري بـ"العبد المأمور عند عبد مأمور"!
وكيف يريدنا الوزير الشرع ان نرتاح الى كلامه المعسول ساعة يشنّ نظامه الامني في دمشق حملة مدروسة ومركّزة – مع انها سخيفة وبدائية – ضد لبنان ولجنة التحقيق الدولية عبر مسرحية هزلية مضحكة مبكية بطلها عميل للمخابرات السورية كان يعمل في لبنان ومهمته الوحيدة بث الاكاذيب، ومحاولة تضليل التحقيق الدولي، فاضحا بشكل علني الاهداف العدوانية الحقيقية للنظام الامني السوري حيال لبنان.
وكان واضحاً ان الحملة السورية المدروسة والمستمرة، بواسطة الاعلام الرسمي المرتبط بالمنظومة المخابراتية، تحمل في طياتها رسالة صريحة عبّر عنها النائب وليد جنبلاط وهي ان سوريا قد تحاول مرة جديدة ضرب الاستقرار في لبنان بواسطة اعمال عنف وارهاب اعتادها الشعب اللبناني، ترافقها عملية خداع كبرى بطلها فاروق الشرع وكلامه المعسول حول صفحة جديدة تفتحها سوريا مع لبنان. وهذه الازدواجية السورية يحاول نظام دمشق تطبيقها ايضاً على المستوى الدولي من خلال محاولته ضرب صدقية لجنة ميليس والتشكيك المسبق في نتائجها، قبل مثول المتهمين السوريين امامها في فيينا. وكل ذلك كالعادة من خلال اوركسترا مخابراتية هدفها كسب الوقت وضرب الاستقرار في لبنان والعودة اليه بالدم والنار والدمار بواسطة من تبقى من عملاء لهذا النظام.
ان هذا السيناريو القديم – الجديد لن ينال من القرار اللبناني الوطني بالتمسك اكثر من اي وقت مضى بمعرفة الحقيقة في اغتيال الرئيس الحريري، وبتحصين سيادتنا واستقلالنا من خلال تعزيز وحدة مجتمعنا وانقاذه من فلول عهد الوصاية والاحتلال الذي ذهب الى غير رجعة.
ونقول للنظام الامني السوري، بطل اخراج المسرحية الجديدة "لغوار الطوشة" كما وصفها الوزير مروان حماده: في مقابل شهادته الكاذبة المزيفة بواسطة عميله الرخيص، هناك شعب بكامله مستعد لأن يدلي بشهادته امام العالم وليس فقط امام لجنة تحقيق دولية، شهادة للتاريخ تفضح كل الجرائم التي ارتكبها هذا النظام في لبنان، بحق شعبه الذي وصفه الرئيس الاسد في خطابه العدائي بـ"ناكر الجميل". اذ لو كان اللبنانيون ناكرين للجميل السوري، ومعهم دولتهم لطالبوا سوريا بتعويضات عن الخراب والدمار واللذين الحقهما بهم نظام دمشق فضلاً عن القتلى والجرحى والمسجونين والمفقودين الذين يسأل عنهم نظام الوصاية السوري، عدا السرقات والصفقات والعمولات والابتزاز التي فرضها هذا النظام على اللبنانيين ودولتهم طوال فترة احتلاله بلدهم.
ان طيبة قلب اللبنانيين والبعض يقول خوفهم في مرحلة ما، جعلتهم يسكتون. ولكن اذا ما تحرك الشعب اليوم للشهادة امام لجنة تحقيق دولية عن الجرائم والارتكابات السورية في لبنان، لتحولت محاكمة الكبار في دمشق "نورمبرغ" جديدة يمثل الادعاء فيها ورثة كمال جنبلاط وبشير الجميل والمفتي حسن خالد ورنيه معوض ومحمد شقير وناظم القادري وسليم اللوزي، وصولاً الى ورثة الرئيس الحريري وباسل فليحان ورفاقهما، وكذلك ورثة جورج حاوي وسمير قصير وكل ضحايا نظام الوصاية الذين تكلم عنهم بصراحة ووضوح البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير. اذ هو اراد من خلال عظته الاخيرة ان يفضح بصراحة هذا النظام الذي وقف وراء الاعمال الارهابية التي تدينه.
لقد حان الوقت لأن نضع حداً لخوفنا ولطيبة قلبنا التي دفعنا ثمنها غالياً وغالياً جداً، ولنواجه كل هذه المسرحيات الكاذبة للنظام الامني السوري، متسائلين: الم يحن الوقت لهذا النظام الاستبدادي لأن يستيقظ من سكرته ويعود الى رشده؟