إنها الفتنة نار تأكل من نفسها ......
جورج ناصيف
نفسي حزينة حتى الموت. ويداي مشلولتان من الرعب. هل هناك سوى الفتنة المذهبية في الأفق؟
نعم. الفتنة، ولو جادل المجادلون ان الظروف الدولية والاقليمية والمحلية تقف حائلا دونها.
نعم. الفتنة التي لا تبدأ دفعة واحدة، بل تدرجا، وانزلاقا، وتراكما، و"اشكالات" صغرى، ثم كبرى، ثم اشتباكات موضعية، ثم أحياء مسلحة، ثم اغتيالات، ثم فتن طائفية متنقلة، ثم شائعات ترجّ البلد، ثم قطع طرقات، ثم معسكرات تدريب، ثم تهريب أسلحة... وفي جميع الاحوال ألسنة من نار، وخطب سامة.
نعم. الفتنة عندما يصبح الاطراف السياسيون أسرى مواقفهم المعلنة، لا يملكون التراجع خشية الهزيمة، ولا يستطيعون التقدم الا بالمزيد من الاندفاع في التجييش.
الفتنة، عندما تختنق أصوات المعتدلين والدعاة الى العقل، ويعجز الوسطاء، وتفشل المبادرات، ويهرع كل الى معسكره وطائفته وزاروبه يسأل الحماية والأمان.
والفتنة تبدأ بسلاح قليل ومتوافر، ثم ينهمر السلاح من أربع رياح الارض، وتدفق الاموال، ويكثر المستفيدون وتتعدد الجهات الغاطسة في الفتنة...
والفتنة تبدأ بشعارات، ثم تتبدل الشعارات وتستمر الفتنة. لأن الفتنة، كالنار، تأكل من نفسها، من ديناميتها الخاصة، من آليات اشتعال النار والموت.
هل من مخرج، يكسر هذه الدوامة الجهنمية؟
مخرج واحد: صياغة مبادرة عربية ذات مظلة دولية، تكون حلا وسطا يسمح لجميع الاطراف بالتراجع بكرامة، ومن غير شبهة انكسار، أمام جماهيرها المجنونة.
مبادرة كهذه تستدعي تحركا عاجلا من الجامعة العربية، بمظلة دولية، لا تقصي ايران وسوريا من الحل.
إن إعلان التأييد الدولي الكاسح لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، على أهميته، لا يكفي ولا ينتج حلا، ولا يوقف اندفاعة ايران وسوريا، اذا لم يشمل الحل مصالح هاتين الدولتين.
تلك أمثولة العراق، أقرّ بها عقلاء واشنطن، وتلك أمثولة لبنان حتى اليوم. ماذا تنفع الوفود الدولية والقرارات الدولية، اذا استمر التسلح متدفقا، والتدريب جاريا، والحدود مفتوحة؟ هل من سبيل لرد الهجمة غير الوصول الى تسوية مع المحور الذي أطلق النار؟
المطلوب مبادرة عربية تفرض فرضا على اللاعبين اللبنانيين الصغار الذين يوهمون جماهيرهم بأنهم رجال قرار، وهم صبية يلحسون كلامهم اذا أمر المعلم الكبير...
تبقى كلمات:
- هل من رجل دين يكرر وقفة الامام الجليل السيد موسى الصدر حين اعتصم وحيدا احتجاجا على فتنة الـ1975؟
- هل يعلن الاتحاد العمالي العام اضرابا مفتوحا باسم الضحايا، عوض الاعتصام المفتوح؟
- هل يتخذ المجلس الوطني للاعلام تدبيرا ما بحق المحطات التي تبخّ الفتنة؟
- وسط هذا السيرك من الجنون، ثمة اثنان يستحقان شكر القلب: الرئيس فؤاد السنيورة والعماد ميشال سليمان. رجلان عاقلان، هادئان، مبصران، وديعان، لا ينطقان الا سلاما وكلاما رطبا، محييا.
لهذا الجيش الحافظ الحدود، والواقي من الفتنة، والواقف سدا في وجه التنين، سلاما وحبا.
سلوك الجنود آية في الرقي الحضاري.
لهذا الرجل اللبناني، العربي، المتأصل في الحكمة والوداعة، الساكت على الجور والاذى، سلاما وحبا.
... أما أبناء الافاعي، من كل جهة وصوب، فلهم اللعنة، من هذه الساعة حتى قيام الساعة...