على ثورة الأرز مراجعة حساباتها ......
غسان يونان
منـذ انطلاقة "فريق الرابع عشـر من آذار" والمعروف أيضـاً بـ "ثـورة الأرز" صاحبة مشـروع اسـتقلال لبــنان الثانـي، يبـدو جليـاً التعـثر الذي يتعرّض لـه هـذا الفريق نتيجـة المطبّـات التي يزرعهـا أمامـه الطرف الثـاني تتالت الأحداث ولم تتوقف عمليـات اغتيـال الشـخصيات الرسـمية للفريق المسـتقل (14 آذار)، وتكررت محاولة تثبيت أو إقرار "المحكمة ذات الطابع الدولـي" والتي كانت تشـكل بشـكل أو آخـر لدى الفريق الموالي لسـوريا، بـ"النقزة" أو النفور إن جاز التعبير، ما يؤدي كالعادة إلى تأزم الأمور والأوضاع بشـكل يجعل الوطن ككل على شـفير هاويـة.
والتي أدّت حتى اليـوم إلى الخراب والدمـار إن في البنى الاقتصادية أو الاجتماعيـة للشـعب اللبـناني بمختلف انتماءاتـه، إضافـة إلـى عمليـات الاغتيـال التي تطـال رموز فريق "ثـورة الأرز" التي تنادي برفـع الوصايـات ووضع مصلحـة المجتمـع اللبـناني فوق كل الاعتبـارات.
ومن الجدير ذكـره بأن "ثـورة الأرز" تمشـي بخطىً ثابتـة وموزونـة من أجل اجتيـاز كل هذه المراحل التاريخيـة وكل هـذه المنعطفـات الخطيرة بأقـل الأثمـان، علمـاً أنهـا وفي كل مرحلـة تجتازهـا أو تحاول اجتيازهـا تكلفهـا دمـاً ودمـاءً ودموعـاً جديـدة وخسـارة خـيرة رجالاتهـا.
لكن، وللحقيقة والتاريخ نقول: "إن هـذه المسـيرة تعرّضت ولا زالت تتعرض لهـزات خطرة نتيجـة مواقف ارتجاليـة أو متسـرعـة اتخذهـا بعض رجالاتهـا (عن حسـن نيـّة) أدّت إلى عرقلـة تقدمهـا نحـو الاسـتقلال الكامل والتـام، وكـان علـى هـذه القيادات التعلـّم أو الانتبـاه إلـى التجارب أو المراحل السـابقة التي قطعتـهـا".
فعلى سـبيل المثال، وفي إحدى جولات وفـدٍ من ممثلي [فريق 14 آذار] على أمريكـا وبعض الدول الأوروبية صاحبة التأثير الكبير على بعض القرارات الدوليـة، كان الدفاع آنذاك عن سـلاح المقاومة (أي سلاح حزب الله) يأخـذ أبعـاداً كبيرة، ربمـا قد تحسـب إليهـا البعض وقتهـا وفاتت نتائج تلك المواقف على البعض الآخـر، والحجـة كانت أن سـلاح (حزب الله) هـو شـأن لبـناني داخلـي، بالإمكان إيجـاد حلّ لـه على طاولات الحـوار أو التشـاور، وهـا نحن اليوم أمـام مـأزق أو نفق مظلم ليس بتلك السـهولة الخروج منـه.
في حين أن الرد من قبل أصحاب الشـأن أو بالأحرى قيادات حزب الله وقتهـا، كـان يشـير إلى علامات الرضى والقبول ولو ضمنيـاً، وهـذا ما فسـّره الفريق الآخـر بأنه فعـلاً قادر على حلّ هـذه المعضلـة ولن يكون لهـا ارتدادات على المسـار الوطني، كون المسـألة وطنيـة وسـتحل ضمن البيت اللبـنانـي وعلى الطريقـة اللبـنانيـة.....
لكــن حقيقـة الأمـر لم تكن كذلـك وإنمـا أراد الفريق الآخر(الموالي لسـوريا) كسـب الوقت بانتظـار متغيرات إقليميـة ودوليـة لينقض على كل الانجازات التاريخية لثورة الأرز وبالتالي التمكن جديـاً من إعـادة الأمور إلى ما كانت عليـه سـابقاً (أي عهد الوصايتين السوريةـالإيرانية) .
ثم تتالت الأحداث ولم تتوقف عمليـات اغتيـال الشـخصيات الرسـمية للفريق المسـتقل (14 آذار)، وتكررت محاولة تثبيت أو إقرار "المحكمة ذات الطابع الدولـي" والتي كانت تشـكل بشـكل أو آخـر لدى الفريق الموالي لسـوريا، بـ"النقزة" أو النفور إن جاز التعبير، ما يؤدي كالعادة إلى تأزم الأمور والأوضاع بشـكل يجعل الوطن ككل على شـفير هاويـة.
وهنـا، انتفض كل من (حزب الله) و (حركة أمل) الشـيعيتين وباتت مواقفهما أكثر وضوحاً من ذي قبل وانضم إليهما كل الموالين لسـوريا بالإضافة إلى الجنرال عون وتياره الحـر.
هـذه الانتفاضـة أو الإنقلاب، كان ولا يزال القصد منه، تعطيل "المحكمة ذات الطابع الدولي" تحت حجـة المشـاركة في حكومة "وحـدة وطنيـة" بعد أن اسـتقال منها كل من ممثلي (الحركة والحزب) والوزير المحسـوب على الرئيس لحـود.
وهنـا أيضاً، تغيرت أو اتضحت المواقف أكـثر من ذي قبل، إذ أصبح ما كان يُهمس به سـراً وفي مجالس خاصة، أصبح اليوم يقال علنـاً وبالفم الملآن دون أي تردد أو تحفظ...
أمـا اليوم، فنرى فريق "ثـورة الأرز" في موقع الدفاع عن النفـس، حيث أن فريق الثامن من آذار (الموالي لسوريا وإيران) في وضع تظاهري تصاعدي مسـتمر، وكأنه برنامج أو مخطط يُراد تنفيـذه على السـاحة اللبـنانيـة مهما كان الثمن، والخطورة تكمن في مشـاركة البعض وعلى سبيل المشاركة فقط دون أن يعرفوا نتائج مشاركاتهم ومدى انعكاساتها السلبية على الوضع اللبـناني بشكل عام. فبات هـذا الفريق يهـدد بالعصيان المدني وقطع الطرقات..ألخ وذلــك بعـد أسـبوع (أي بعد مرور فترة الأعيـاد!).
وهل يُشـكر هـذا الفريق الذي يمنح اللبـنانيين فرصة التبضع بما فيه الكفاية والتحضير للأعظم!؟..
أمـا المرحلـة أو التجربـة الثانية التي وقع فيهـا فريق "ثـورة الأرز"، بـأن نبيـه بـرّي ـ رئيس المجلس النيابي اللبناني ـ لن يفرط بالإنجـازات التي تم تحقيقهـا حتى تاريخـه وإنـه (أي السيد برّي) سـوف يأخـذ القرار المناسب وفي الوقت المناسب لما فيـه خـير لبــنان ومواطنيه على حـدّ سـواء!!..
فكـان الغنج والدلال (السـياسـي طبعاً) من كِلا الفريقين [14 و8 آذار] مسـتمر لشـخص رئيس المجلس النيابي الذي كان وفي كل لقاءاته ونشاطاته لا يتردد في القول بـأنه ليس حيادياً وإنما فريق وأكثر من فريق أو طرف!!.. وبالرغم من كل ذلـك، لم تأخـذ "ثـورة الأرز" هذه الأقاويل على محمل الجـد، مما جعلهـا تدفـع الثمن غاليـاً جـداً، فبات برّي ينظر إلى المجلس الوزاري أو الحكومة اللبنانية كحالة غير دسـتورية أو غـير شـرعية. وكانت الكلفـة باهظـة أكثر من ذي قبل، ونتيجتهـا انهيـار المؤسـسـات الدسـتورية في لبـنان الواحدة تلو الأخـرى. فما كان من مواقف مسـتورة، باتت واضحـة وأن فريق الثامن من آذار، قد حزم أمره وبات يقولهـا بطريقة أو أخرى بأنه ضد "المحكمة ذات الطابع الدولي".
فالقول بأنه مع مبدأ المحكمة ((لكن.((!.
هـذه الـ: "لكـن" تعني الكثير وستؤدي إلى المزيد من وضع العصي في الدواليب من أجل عرقلة مسـيرة تقدم لبــنان واسـتقلالية قراره.
"ففي التفاصيل تكمن الشياطين" هـذا ما قاله أيضاً السـيد عمرو موسى (أمين عام الجامعة العربية) الذي غادر لبـنان دون تحديد موعد لعودته، ومتخوفـاً من مخاطر الأمـور..
إن المطلوب من قيادات "ثـورة الأرز" الذين يدفعون لوحدهم ثمن الســيادة الحقيقية والاسـتقلال الحقيقي للبــنان الحقيقـة، والذي من خـلاله فقط (أي لبـنان الحقيقة) سـيتمكن المواطن اللبنانـي ـ ولأول مرة ربما في تاريخـه الطويل ـ من كشـف أغلبيـة الجرائم التي ارتكبت بحق أبنـائـه ورجالاته السـياسـيين والدينيين...ألخ.
فالسـؤال الذي يراود فكـر كل مواطن لبـنانـي، هـو، أين تكمن المشـكلـة في كشـف مرتكبي الجرائم بحق رجالات لبـنان وقيـاداتـه وبنيـه؟!..