هجـرة قـدمـوس واخوتــه .......
زوس اله الاغريق يتحول الى ثور أبيض لخطف أوروبا شقيقة قدموس. وهي حجة ابتكرها الفينيقيون لتغطية أهدافهم الرئيسية من الهجرة والاستيطان بين الشعوب الغريبة. صورة اللوحة من متحف اللوفر.
ان قدموس، كما نعلم من أكثر من مصدر اغريقي، هو الذي بنى مدينة " قدميا " ثم " طيبة " في اقليم " بويثيا " في بلاد الاغريق. وطور لهم حروف الأبجدية الفينيقية لتناسب اللغة الاغريقية، كما يذكر لنا ذلك هيرودت الذي كان شاهد بنفسه الحروف الفينيقية المحفوظة في معبد " أشمون ابولو " في طيبة بلدة قدموس الاغريقية. ويوافق ديودورس أيضاً على أن قدموس كان أحضر الأبجدية من فينيقيا.
ويذكر لنا هيرودت أن قدموس كان ترك جماعة من اتباعه في جزيرة " تيرا " لاستعمارها؛ وكانوا بقيادة قريب له يدعى " مابليارس " وكان اسم الجزيرة " كاليستا " قبل ذلك، ويعلق هيرودت بأسلوبه الباحث قائلاً : " لسبب لم يصل الينا، وربما لأن قدموس بن أغينور أحب ذلك المكان، أقام فيه عدداً من الفينيقيين كان من بينهم مابليارس أحد أقربائه ". ونقرأ بعد ذلك لدى هيرودت أيضاً أن أحفاد هؤلاء المستعمرين في تيرا أرسلوا اثنتين وخمسين سفينة لانشاء مستعمرة في كيرينيا في أفريقيا. كما أن احدى قبائل اسبارطة القوية وهي قبيلة الأبجديين كانت، حسب رواية هيرودت، تنتسب لايجيوس بن تيراس الذي سميت جزيرة تيرا باسمه، وهو من سلالة قدموس.
وان من يتأمل المركز الجغرافي لجزيرة تيرا البركانية يدرك معنى اهتمام قدموس بهذه الجزيرة. فهذه الجزيرة هي مفتاح بحر ايجيه لموقعها الحربي الهام. وقد استخدمت كقاعدة بحرية لبطالسة مصر طوال القرن الثالث وخلال جزء من القرن الثاني قبل الميلاد. كما استخدمها أهل كيرينيا في ليبيا كقاعدة بحرية لهم، كما يخبرنا بذلك سترابو. وليس من تفسير لاقامة الفينيقيين فيها سوى أنهم اختاروها كقاعدة بحرية لهم خلال حملتهم التوسعية في بلاد الاغريق بقيادة قدموس. بوزانياس الذي كان يتجول في بلاد الاغريق، للاطلاع على المعتقدات والروايات التي كان يتناقلها السكان، يذكر أن قدموس كان على رأس جيش للاحتلال والاقامة بين السكان والتزاوج معهم.
وجاءت كشوفات الآثار لتثبت وجود الفينيقيين على نطاق واسع في آسيا الصغرى. فقد ذكر ليونارد وولي عن وجود أواني زجاجية ثمينة في حفريات " الالاخ " التركية، يعود تاريخها لاواسط الألف الثاني قبل الميلاد. كما أن عالمين من علماء الآثار هما : ه.ث. بوسيرت و ه. صامبل قد اكتشفا في حفريات مدينة " كراطيب " كتابة باحدى اللهجات الفينيقية الى جانب اللغة الحثية، وأثبتت هذه الكتابة وجود قبيلة " الدانونيين " الكنعانية هناك. وان من كان يقرأ شجرة السلالات التي كتبها فريسيد في القرن الخامس قبل الميلاد كان يستغرب ورود اسم دانوس بين الفينيقيين والمصريين.
أما فريسيد، الذي وصفه فيلون الجبيلي بأنه أخذ أفكاره عن الفينيقيين، يبدو أنه نقل شجرة نسب صحيحة عنهم. فقد كشفت البحوث عن أن الدانونيين الذين أثنى عليهم هوميرس والذين ورد ذكرهم مع شعوب البحر في الوثائق المصرية، كانوا كنعانيي اللغة والدين. وقد تركوا لنا نصوصاً تشهد على ذلك. أما نصوص هذه الكتابات، كما ينقلها لنا المترجمون المختصون، فهي تنم عن حضارة متقدمة، تتعبد لايل، خالق الأرض والشمس الخالدة، ومجموعة الآلهة.
أما " فينيقس " الذي حمل اسمه اللبنانيون، ودعوا بالفينيقيين بالنسبة للاغريق، فهو أحد رؤساء القبائل أيضاً. وحسب رواية فيلون عن سانخونياتن، اسمه الحقيقي " كناع " وهو أخ لأوزيريس في رواية سانخونياتن. وهذه الرواية تثبت الدمج الذي أورده ديودورس بين اوزيريس وقدموس في بلاد الاغريق.
ونحن نعرف ان كلمة فينيق باللغة العربية، تعني الفحل، المكرم، النبيل. ولا شك بأنها تحمل المعنى نفسه في اللغة الكنعانية الفينيقية.
مقتطفات من مقال بعنوان الانتشار الفينيقي للباحث يوسف الحوراني