"لبنان أولاً"... ولماذا لا يعودالأول بين العرب ومعهم ؟......
غسان تويني
الشعار الذي اراده الرئيس الشهيد رفيق الحريري صرخة للتوحيد والتضحية بما ليس من لبنان وله... يجب ان ينطلق اليوم من جديد شعاراً في وجه المحيط العربي الذي ينظر الى لبنان كشيء ثانوي، تهون التضحية به قياساً بمطامح الآخرين.
كيف نستعيد للبنان أولويته؟
ليس فقط بتكريس ميثاقنا، بصنع نسيج وطني جديد يوحّد بين الذين حاربوا وانتصروا والذين يترددون حتى في التطوّع لخدمة العلم...
ليس فقط هكذا، وهذا ليس بالهيّن، بل بأن نخترع دوراً جريئاً للبنان في العالم العربي، وفي السياسة الخارجية، فتصغر عند هذا الدور أو تضمحل أحجية جمع السلاح أو الغائه...
نعم... نحلم؟ ولماذا لا نحلم؟ الحلم ليس ممنوعاً. انه الطريق الحقيقي – ونشدد على الكلمة – لتحويل الواقع من الالم والضجر واليأس الى الطموح الجريء، ولو بدا في الظاهر خيالاً مستحيلاً.
نعم، نريد حكماً يقف ويصرخ في وجه العرب، كل العرب، من دمشق الى القاهرة، بل وصولاً في المدى الاسلامي الى طهران: لقد دفع لبنان ثمناً للحلم العربي، بل للحقوق العربية، لم يدفعه سواه. لا مصر عندما احتلت اسرائيل سيناءها، ولا سوريا عندما احتلت اسرائيل جولانها. فقط الشعب الشريك لنا، فلسطين - المثلنا كما لا أحد ولو جهل بعضنا أو تجاهل- ...
فلسطين وحدها تدفع ودفعت، لذلك تريد اسرائيل ان تلغي ارادتها – بل "مقدسيتها"! - وتستمر تحاول تحويلها الى ما صار النموذج للتدمير والالغاء الذي حاولت تنفيذه في لبنان، حتى حين لم يقاوم ولم يحارب. وحظنا يكون كبيراً اذا صحّ انها هكذا وحّدت لبنان التضامن والتآلف بين "الحزب – اللهيين" الذين انفردوا بمقاومتها، والذين كانت تظن وتطمح وتشيع انّهم سيقاتلون "حزب الله" في حرب "أهلية" (؟!!) هوّل علينا بها كثيرون، فلم نستهول ولا سربلنا الخوف منها ولا وقعنا في شراكها!
"توظيف انتصار حزب الله للدولة اللبنانية"؟ هكذا يكون. بأن يعود الصوت صوتاً واحداً صارخاً في البرية العربية. ويعود السلاح سلاحاً واحداً، لا سلاحين.
ماذا يصرخ "اللبنان اولاً" في برية الجاهلية العربية؟
ثلاث عبارات، فقط لا أكثر:
اولاً: كفانا ان نكون الساحة والمسرح والمنبر. نحن نريد، بشجاعتنا وانتصارنا والرشد، ان نكون الاوائل بين المتساوين، بل الاوائل بين الجميع في الرأي والعمل، والاختيار والقرار... وكفى!
ثانياً: تريدون حرب تحرير؟ فلنقررها معاً ومن بيروت، فننطلق الى الأقرب فالأبعد، انما باجسادكم كلكم، وبالثروات قبل الحرب وليس بترضية بعدها!!!
ثالثاً: وبديلاً من الحرب، اذا انتهت خطبكم والمهاترات، نعود اليكم بما اقترحته جامعتكم الميمونة، نطرحه على مؤتمر وزراء خارجياتكم ثم على قمة الرؤساء التي دعا اليها الملك عبدالله آل سعود وتترددون.
وجدول الأعمال واحد بسيط، وفرنا لكم بأرضنا المحروقة السبيل اليه:
ننطلق معاً، بدون غش ولا مواربة، من القرار 1701 الى مجلس الأمن، نعود اليه حاملين محاذير تنفيذه والصعاب والفخاخ، انما صفاً عربياً واحداً متآلفاً، وبدون "دمشقة" ولا مَن يراوغون... ولا نقول "يشتمون" لأننا، نحن، لا نتوقف عند المهاترات لنقول مثلاً اننا نحن لم نتاجر يوماً بالوطن في أسواق النخاسة.
ونطرح على مجلس الأمن بكل جدية وبالحاح وعند الحاجة بتهديد – ولا يعوزنا ما نهدد به، بما في ذلك حرب النفط بأكثر من وسيلة، فضلاً عن تعميم مأساة الارهاب العراقية.
نطرح على مجلس الأمن مشروع السلام العربي الذي لا يزال يتجوّل في أروقة قممنا وكواليس ديبلوماسياتنا العقيمة منذ "قمة بيروت 2002"... نطرحه بخرائطه التي وحدها تتغلب على "خريطات" الشرق الاوسط الجديد اياها... ونقول للأمم: هذا، أو الحرب الاهلية كما اثبتنا اننا نعرف كيف نخوضها وكيف نتوقف ولا ننتحر.
وبديهي، ان في وسع لبنان، اذا توحّد العرب حول صرخته والمبادرة بغير الحدب العاطفي المغلف بالمساعدات والمعونات... في وسع لبنان بدل ان يستمر يلملم القوات الدولية لحراسة حدوده ونظامه بما صار يشبه التسوّل...
في وسع لبنان العربي ان يستصرخ جبهة ديبلوماسية تمتد من ماليزيا وباكستان وتركيا الى فرنسا وكل اوروباها، مروراً بالروسيا والمانيا وايطاليا وحتى اليونان... بل ايران كذلك، ولِمَ لا؟... قائلاً اننا نطلب ونعرض الشهادة للسلام في ظل امم متحدة تستعيد فاعليتها، بدل الاستشهاد في حرب مجهولة المصير والابعاد قد تشعل الامم كلها، متحدة أو مختلفة.
ولا نظن ان في وسع اسرائيل، التي خابت احلامها بالسطوة الاقليمية، ان تمنع مثل هذه الثورة اذا احسنّا اطلاقها من عقالها والاحلام و... الكلام الفارغ!
فهل كثير على لبنان، اذا عاد "أول" في ولاءاتنا جميعنا، ان ينادي بمثل هذه الثورة ليخرج العالم العربي، بل العالم المتسربل بمخاوف الارهاب، من القبور المكلسة؟