تأليف اللجنة السداسية يصطدم بخلاف يطاول مشاركة القاضيين
دراسة قانونية تتيح تجاوز المجلس لإبرام اتفاق المحكمة
إيميل خوري – النهار
بات واضحاً ان انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي هو بيت القصيد والعلة في عدم التوصل الى حل للازمة السياسية التي تعصف بالبلاد. وقد تعذر فصل هذه القضية عن الازمة وصار انشاؤها جزءاً لا يتجزأ منها. فمحادثات الرئيس السوري بشار أسد في موسكو تركزت على هذا الموضوع، وقد اكد له المسؤولون الروس انهم مع انشاء المحكمة لتحقيق العدالة لكنهم ليسوا مع "تسييسها".
ويبدو ان ا قتراح تأليف لجنة سداسية من قضاة ورجال قانون لاعادة النظر في النظام الاساسي للمحكمة يصطدم بخلاف على تشكيلها اذ طلب بعض اطراف المعارضة عدم تعيين القاضيين رالف رياشي وشكري صادر فيها باعتبارهما باتا طرفاً في الموضوع لمشاركتهما في وضع هذا النظام مع القانونيين في الامم المتحدة. كما اصطدمت اجراءات السير بانشاء المحكمة بوجوب انتظار الاتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية كي تعود وتدور دورتها بحسب الاصول الدستورية، بحيث يحظى نظامها بموافقة هذه الحكومة ومن ثم رئيس الجمهورية قبل ان يحال النظام على مجلس النواب، اضف ان لا شيء يؤكد ان مجلس الامن مستعد للموافقة على ادخال تعديلات جديدة على نظام المحكمة وخصوصا اذا كانت جوهرية.
يستدل من ذلك ان المعارضة الحليفة لسوريا تحاول ادخال موضوع المحكمة في صلب الازمة السياسية القائمة بما يكفل عدم التوصل الى حل لها الا عند التوصل الى حل هذه الازمة وذلك في محاولة منها لادخال عملية انشاء المحكمة في نفق طويل. والرئيس بري يبدو من جهته راغباً في ابعاد هذه الكأس المرة عنه وعدم تحمل مسؤولية دعوة مجلس النواب الى عقد جلسة تخصص للبحث في موضوع انشاء المحكمة واقرار نظامها، ويفضل البحث عن وسيلة اخرى تبعد عنه هذه المسؤولية. وعلى هذا الاساس فان جهات في الحكومة والاحزاب والكتل في تحالف الاكثرية تدرس امكان تجاوز مجلس النواب في التوصل الى اقرار النظام الاساسي للمحكمة ذات ا لطابع الدولي وذلك استناداً الى دراسة قانونية وضعت لهذه الغاية. ومما جاء في هذه الدراسة:
"لقد تبين من مراجعة احكام مشروع الاتفاق المنوي ابرامه ما بين الامم المتحدة والجمهورية اللبنانية انه افرد في بنده الخامس نصاً يتعلق بكيفية تمويل المحكمة الدولية (وربما تضمن هذا البند التزام الحكومة اللبنانية تحمل نسبة من مصاريف انشاء عمل المحكمة وسيرها) كما ان المادة 21 من مشروع الاتفاق تنص على انه يعمل بالاتفاق لمدة ثلاث سنوات على ان يتم تقييم عمل المحكمة بعد الفترة الآنفة الذكر من الفرقاء بالتشاور مع مجلس الامن، وانه في حال لم تنجز المحكمة مهمتها بعد الفترة الآنفة الذكر من الافرقاء بالتشاور مع مجلس الامن، في حال لم تنجز المحكمة مهمتها خلال تلك الفترة، يمكن الفرقاء ان يمددوا العمل بالاتفاق لمدة يحددها الامين العام للامم المتحدة بعد التشاور مع الحكومة اللبنانية ومجلس الامن.
ان نص البندين الخامس والحادي والعشرين من مشروع الاتفاق بين الامم المتحدة والجمهورية اللبنانية بصيغتهما المبنية اعلاه يحتمان اللجوء الى مجلس النواب من اجل الحصول على اجازة للحكومة بالتصديق على الاتفاق، فانه من اجل التمكن من ابرام الاتفاق دونما حاجة الى اجازة مجلس النواب، يمكن، من الوجهة القانونية الصرف، تعديل مضمون هذين البندين بحيث:
أ- لا تتحمل الدولة اللبنانية اية اعباء مالية ناتجة من انشاء المحكمة ومن عملها.
ب- يكون الاتفاق معقوداً لمدة سنة قابلة للتجديد ما لم يبد أحد الفرقاء الامم المتحدة او الحكومة اللبنانية بغالبية ثلثي اعضاء الحكومة رغبتهما في وضع حد للاتفاق من طريق اعلام الفريق الآخر بهذا الشأن قبل شهرين على الاكثر من نهاية المدة المحددة له.
بالنسبة الى القوى الالزامية للمعاهدة المبرمة من مجلس الوزراء دونما حاجة الى اجازة ابرامها من مجلس النواب، هل ان القوة الالزامية تلك هي اقل من القوة الالزامية الممنوحة للمعاهدة المجاز المصادقة عليها من مجلس النواب؟ الجواب بالنفي للسببين الرئيسيين الآتيين:
أ – لا نص في الدستور او في القانون يميز من ناحية القوة الالزامية ما بين المعاهدات الدولية المجاز ابرامها من مجلس النواب وتلك التي يبرمها مجلس الوزراء منفرداً، انما موجب الحصول على اجازة بالمصادقة على المعاهدة من مجلس النواب يحكمه شرطان موضوعيان: عدم جواز فسخ المعاهدة سنة فسنة (بحيث تلزم الدولة لآجال طويلة دون اجازة من السلطة التشريعية) كما التزام الحكومة اعباء مالية يحتمان الحصول على موافقة السلطة التشريعية لابرام معاهدة دولية.
ب: لأن المادة الثانية من قانون اصول المحاكمات المدنية وعندما نصت على انه "عند تعارض احكام المعاهدات مع القانون العادي، تتقدم في مجال التطبيق الاولى على الثانية"، لم تميز ايضا ما بين المعاهدات المجاز مصادقة عليها بموجب قانون والمعاهدات المبرمة من مجلس الوزراء دونما حاجة الى اجازة تشريعية.
يستفاد مما تقدم انه سواء تم ابرام المعاهدة الدولية من مجلس الوزراء منفردا او من مجلس الوزراء بعد الحصول على اجازة بالمصادقة من مجلس النواب، فان القوة الالزامية للمعاهدة الدولية هي ذاتها، كما ان كل المعاهدات الدولية – ودون اي تمييز بين تلك المبرمة من مجلس الوزراء منفردا او من مجلس الوزراء بعد الاستحصال على اجازة بالابرام من مجلس النواب – تتقدم في التطبيق على احكام القانون.
من هنا يمكن استخلاص ان كل بنود المعاهدة المبرمة ما بين الامم المتحدة والجمهورية اللبنانية، تتقدم في التطبيق على احكام القانون اللبناني الداخلي، اللهم اذا لم تكن احكام القانون اللبناني احكاما ذات قيمة دستورية، وهو امر مستبعد. بتعبير آخر، ان النص في المعاهدة على عدم امكان اصدار عفو عام، او على استبدال او خفض عقوبات الاعدام و/ أو الاشغال الشاقة بعقوبات ادنى الخ... يعلو في سلم القوانين على احكام القوانين اللبنانية المتعلقة بهذه الامور.
الاهم من هذا كله يكمن في امكان الطعن في المعاهدة الدولية المبرمة من مجلس الوزراء دونما حاجة الى اجازة مصادقة صادرة عن مجلس النواب. فهل هذا الامكان متاح في حالنا الحاضرة؟
في لبنان، نصت على الرقابة الدستورية على القوانين وللمرة الاولى احكام المادة 19 من الدستور اللبناني المعدلة بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21 ايلول 1990، كما نظمت تلك الرقابة احكام المادة 18 من قانون انشاء المجلس الدستوري رقم 250/93 تاريخ 14 تموز عام 1993. جاء في المادة 19 من الدستور ما يأتي: "ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين وبت النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. يعود حق مراجعة هذا المجلس في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين الى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء او الى عشرة اعضاء من مجلس النواب، والى رؤساء الطوائف المعترف بها قانونا في ما يتعلق حصرا بالاحوال الشخصية وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية وحرية التعليم الديني. تحدد قواعد تنظيم المجلس واصول العمل فيه وكيفية تشكيله ومراجعته بموجب قانون".
وجاء في المادة 18 من قانون انشاء المجلس الدستوري ما يأتي: "يتولى المجلس الدستوري الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون. خلافا لأي نص مغاير، لا يجوز لأي مرجع قضائي ان يقوم بهذه الرقابة مباشرة عن طريق الطعن او بصورة غير مباشرة عن طريق الدفع بمخالفة الدستور او مخالفة مبدأ تسلسل القواعد والنصوص". تتضح من هذين النصين القاعدتان الآتيتان:
القاعدة الاولى: ان المجلس الدستوري هو السلطة المختصة بالرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون.
القاعدة الثانية: ان المجلس الدستوري هو السلطة الوحيدة التي لها ولاية الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون.
والسؤال الذي يطرح هو الآتي: ماذا عن المعاهدات الدولية وقد اعتبرتها المادة 2 من قانون اصول المحاكمات المدنية الجديد – المرسوم الاشتراعي رقم 90/83 تاريخ 16 ايلول 1983 – مرجحة على القانون العادي؟ فقد نصت الفقرة الثانية من هذه المادة على انه "عند تعارض احكام المعاهدات الدولية مع القانون العادي، تتقدم في مجال التطبيق الاولى على الثانية". بمعنى آخر، اعطى المشترع اللبناني في قانون اصول المحاكمات المدنية وهو قانون عادي للمعاهدة قوة اعلى من القانون العادي، وذلك بخلاف ما هو الامر في فرنسا حيث ان النص قد ورد في المادة 55 من دستور 1958 – وهو قانون غير عادي – على مبدأ سمو المعاهدة على القانون. فكيف يمكن اذاً اجراء الرقابة على دستورية المعاهدة في النظام القانوني اللبناني وهي اعلى من القوانين العادية وسائر النصوص التي لها قوة القانون حسب المادة 2 من قانون اصول المحاكمات المدنية؟
ليس من قرارات للمجلس الدستوري في هذا الموضوع وكذلك للقضاء العادي بمختلف جهاته. اما الدراسات الفقهية فهي قليلة وتجمع على حق المجلس في بسط رقابته على دستورية المعاهدات قياسا على ما هو الوضع في النظام القانوني الفرنسي. "فالمعاهدات التي تدخل بعد موافقة مجلس النواب عليها في الانتظام القانوني، وتصبح قوانين تطبق عليها الاصول المتعلقة بالاقرار والاصدار، لا بد من ان تخضع لرقابة المجلس الدستوري واذا اعلن المجلس الدستوري مخالفة المعاهدة او بعض نصوصها للدستور، لا تعتبر نافذة الا بعد تعديل النص الدستوري.
يتبين صراحة مما تقدم ان الطعن في عدم دستورية معاهدة دولية امام المجلس الدستوري يتم حصرا، نكرر حصرا، من طريق الطعن في قانون اجازة المصادقة على المعاهدة الصادر عن مجلس النواب وليس من طريق الطعن المباشر في المعاهدة واحكامها. بمعنى آخر، انه يمتنع على المجلس الدستوري النظر المباشر في احكام المعاهدة الدولية اذ ان الطعن في عدم دستورية تلك المعاهدة لا يمكن ان يتم الا بصورة غير مباشرة من طريق الطعن في عدم دستورية القانون الذي اجاز المصادقة، خصوصا ان صلاحية المجلس الدستوري محصورة بصراحة ما بعدها صراحة وحصرا بالنظر في الطعون المتعلقة بمدى دستورية القوانين... هذا وان اغفال النصوص الدستورية وتلك المتعلقة بصلاحيات المجلس الدستوري عن اعطاء هذا المجلس صلاحية الرقابة المباشرة على دستورية المعاهدات كان في رأينا اغفالا مقصودا وذلك لسبب رئيسي يتمثل بابقاء المعاهدة الدولية التي تعكس التزامات الدولة وحقوقها في المجتمع الدولي، بمنأى عن اي رقابة مباشرة سواء للمجلس الدستوري، او للقضاء العادي بمختلف جهاته، وفي مختلف مراحل تكوينها. فهي عمل من اعمال السلطة التنفيذية. وقد نصت المادة 52 من الدستور على انه "يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة ولا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء". فالمعاهدة حتى هذه اللحظة هي عمل من اعمال السلطة التنفيذية التي تبتعد عن كل رقابة للمجلس الدستوري ووحده القانون الذي يجيزها هو الذي يخضع لرقابة هذا المجلس.
اما لجهة امكان الطعن في قرار مجلس الوزراء القاضي بابرام معاهدة دولية، فانه امر غير جائز قانونا لا سيما وان اجتهاد مجالس الشورى سواء اللبناني او الفرنسي قد سار على اعتبار ان قرار كهذا يدخل في عداد القرارات الحكومية Actes de gouvernement وهي قرارات ذات طابع سياسي لا يختص مجلس شورى الدولة بالرقابة عليها اطلاقا.
في الخلاصة، ان ابرام الاتفاق الدولي ما بين الامم المتحدة والجمهورية اللبنانية من مجلس الوزراء دونما حاجة الى اجازة تشريعية يستوجب تعديل البندين الخامس والحادي والعشرين من مشروع الاتفاق على النحو المبين في هذه الدراسة الموجزة، كما ان ابرام الحكومة اللبنانية الاتفاق، بالغالبية المشددة بعد تعديل البندين الآنفي الذكر يكون في نظرنا بمنأى عن الطعن سواء امام المجلس الدستوري او امام مجلس شورى الدولة".