سعد الحريري المفاجأة الكبرى لحزب الله ......
نصير الأسعد.
التحالف السوري ـ الإيراني يفشل في تكتيكاته وخطته تنقلب عليه
ويخطئ في حساب "توازن الرعب" السنّي ـ الشيعيّ
يرفض "حزب الله" الاعتراف بأن "مشروعه" وأداءه السياسيين يدفعان باتجاه فتنة شيعيّة ـ سنيّة. و"عدم الاعتراف" لا يعني أن "حزب الله" لا "يعرف" مؤدّى هذين المشروع والأداء، لكنّه يعني أن الحزب يحاول الهروب من مواجهة هذه "الحقيقة". وبين "عدم الاعتراف" من ناحية و"المعرفة" من ناحية ثانية، يكمن الخوف الكبير لديه من "الاشتباك" الشيعيّ ـ السنّي في وقت يبدو عاجزاً عن التراجع أمام قرار سوري ـ ايراني بـ"إشعال" الوضع اللبناني في سياق استهدافات إقليميّة.
خطة التحريض على جنبلاط وجعجع:عمدَ "حزب الله" في الآونة الأخيرة الى الحديث عن "تأثير" رئيس "اللقاء الديموقراطي" وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع على رئيس "تيّار المستقبل" سعد الحريري الذي بلغ خطابُه السياسيّ حداً عالياً من الوضوح. وفي الحديث عن تأثير الرجلَين على الرجل، لا يخفى اتهام "حزب الله" لهما بأنّهما يقاتلانه بـ"واسطة" سنيّة، أو أنّهما يقاتلان الشيعيّ بالسنّي.
وقبلَ الأحداث الأخيرة التي بدأت فعلياً مباشرةً بعد حرب تموز ـ آب، كانَ "حزب الله" يقوم بالتحريض ضدّ جنبلاط، تحت عنوان أن القائد الحقيقي للأكثريّة هو رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" نفسه، وأن جنبلاط "يتمدّد" من الطائفة الدرزيّة لـ"يسيطر" على السنّة.
وغنيّ عن القول في هذا السياق، أن حديث "
حزب الله" عن تأثير جنبلاط وجعجع على الحريري، إنّما يهدف الى تأليب أهل السنّة عليهما، والى تحويل الأمور عن مجراها، بـ"أمل" تفكيك وحدة الأكثريّة بما هي ائتلاف إسلامي ـ مسيحيّ استقلالي وسياديّ.
"حزب الله" يضع الجنرال وواجهات سنيّة في المقدّمة:في هذه الأثناء، كانت المتابعة الدقيقة لأداء "حزب الله" أي لتكتيكاته ومناوراته، تفيد أن الحزب، ومن أجل تجنب الوقوف على خط المواجهة الأول مع سعد الحريري و"تيّار المستقبل"، لجأ الى تكتيات عدّة.
في البداية، أي خلال شهور قبل حرب تمّوز ـ آب، اعتمد "حزب الله" محاولة فاشلة لـ"التمييز" بين زعيم "المستقبل" من جهة ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة من جهة ثانية، تحييداً للأول وهجوماً على الثاني. وإذ تبيّن له فشل هذه المحاولة، أي عقمها، وكان انتقل مع الحرب وبعدَها الى خطابه التخويني للأكثرية بالجملة وبالمفرّق، اعتمد "حزب الله" صيغتين متوازيتَين متزامنتين. الأولى، كانت دفع الجنرال ميشال عون الى الواجهة، على أمل منه أن وضع عون في الواجهة يؤكّد ما يدّعيه من أن المعركة التي يخوض إنّما هي سياسية و"لبنانية"، وبما يمكّنه من القول إن "المسألة" تتجاوز إشكاليّات الثنائيّة الشيعيّة ـ السّنية. والثانية، كانت محاولة "استخدام" واجهات سنّية "معادية" للحريري.
الجنرال "فرط" والواجهات السّنية تداعت:فشلت هذه المحاولات جميعاً. فبالرغم من مبالغة "حزب الله" في تقدير قدرة الجنرال على السباحة عكس التيّار في بيئته المسيحيّة والمارونيّة، وبالرغم من مبالغته في تقدير قدرة الجنرال على الصمود والاستيعاب مسيحيّاً، فقد "ف
رط" الجنرال سياسياً أمام الرأي العام المسيحيّ. وساهمت في "فرط" الجنرال عوامل عدّة منها على سبيل المثال لا الحصر أن انضواء تيّار مسيحيّ تحت سقف مشروع سوري ـ إيراني هو أمر مخالفٌ لـ"الطبيعة"، وأن لدى المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً ثوابت استقلالية سياديّة ديموقراطية لا يمكن لأحد أن يتجاوزها.
كذلك، لم تنجح عملية استدراج واجهات سنّية الى المواجهة مع سنّة الاستقلال والسيادة والعروبة المنفتحة المعتدلة. فبالرغم من الانتماء السياسي لهذه الواجهات السّنية الى "خطّ حزب الله"، والى التحالف السوريّ ـ الإيرانيّ، فإن هذه الواجهات لم تصمد في بيئتها الإسلاميّة ـ السّنية. وهكذا، راحت تلك الواجهات "تنسحب" من المواجهة تدريجاً بضغط بيئتها لتعلن عنواناً أوّلياً هو رفض اقتحام السرايا الحكوميّة ورفض إسقاط الحكومة في الشارع.
"حزب الله" ينجز عكس خطّته انقلبت خطّة "حزب الله" عليه.:هذه الخطة التي فشلت، كانت مركّبة من عدة "طوابق". تحريضُ سُنّة الاستقلال والسيادة والعروبة على المكوّنات
الأخرى لحركة 14 آذار، وإحداث انقسام سنّي ـ سنّي، تكليف التيّار المسيحيّ السائر في ركاب التحالف السوري ـ الايراني التصدّر، وإحداث انقسام مسيحيّ ـ مسيحيّ. وبالنتيجة إحداث انقسام إسلامي ـ مسيحيّ.
كلّ ذلك لم ينجح. وفي وقت قياسيّ، أنجز "حزب الله" العكس تماماً: "استنفار" سنّي شامل حول سعد الحريري و"تيّار المستقبل" وتيارات الاعتدال والوسطيّة، اندفاعة متجدّدة لمسيحيي 14 آذار كان للكنيسة المارونيّة وعلى رأسها البطريرك نصرالله بطرس صفير دورٌ أساسيّ فيها، ومزيد من التوحّد الإسلاميّ ـ المسيحيّ في إطار حركة 14 آذار.
وقبل استكمال الصورة، لا بدّ من التوقّف عند نقطة مهمّة.
قيل في مجالس كثيرة إن التراجع النسبيّ الذي أبدته الواجهات السنّية لتحرّك "حزب الله"، تمّ بإذن سوريّ على أساس توزيع معيّن للأدوار. ويعزو أصحاب هذا القول قولهم إلى العلاقة "العضويّة" لبعض هذه الواجهات بالمخابرات السورية. غير انّ ما "يجب" الانتباه إليه، هو أن الأساس في هذا التراجع النسبيّ يعود إلى عُزلة هذه الواجهات في بيئتها السنّية. وعليه، فحتّى لو كان التراجع مأذوناً من النظام السوري، فهو ناجم عن المشكلة التي وقعت الواجهات فيها، لا بل أكثر من ذلك، يمكن القول إن التحرّك الذي يقوده "حزب الله" بطلب من المحور السوريّ ـ الإيرانيّ أحدث مشكلة سنّية للنظام السوري نفسه. ولذلك، ينبغي ألاّ تطغى "القراءة البوليسيّة" على الوقائع الرئيسيّة.
المهمّ، أن "حزب الله" بنتيجة هذه المعطيات، عاد ليجد نفسه وجهاً لوجه أمام الإشكاليّة أو المشكلة الشيعيّة ـ السنّية
التي حاول أن يلتفّ عليها. ولم يستطع في لحظة بلوغ مناوراته الفشل، إلاّ أن يكشف وجهه ويهاجم سعد الحريري، كما حصل في المؤتمر الصحفي الرديء للمعاون السياسي حسين خليل.
سعد الحريري وتجربته مع الحزب قبل حرب تمّوز:غير أن الأهمّ من كلّ ما تقدّم ذكره، يتعلّق بالزعيم الشاب لـ"تيّار المستقبل"، حيث كان على "حزب الله" أن يكتشف نسخةً جديدة من سعد الحريري.
قبل حرب تموز ـ آب، تعرّف "حزب الله" عبر أمينه العام حسن نصرالله وعدد من أركانه إلى شخصيّة لسعد الحريري تقوم على الصفات الرئيسيّة الآتية: الوداعة والطيبة أولاً، الاستعداد لديه لـ"تصديق" ما يقوله نصرالله أمامه وما يعد به ثانياً، الرغبة لديه انطلاقاً من شخصيته ومن إرث والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الحوار وفي التوصّل إلى تسويات ثالثاً، الميل الواضح عنده لتأكيد الوحدة الإسلاميّة رابعاً، والحرص الدائم على إنقاذ البلد وقد ورث من أبيه أن قريطم "أم الصبيّ" خامساً.
خاضَ سعد الحريري تجربة العلاقة بـ"حزب الله". و"كان" يكنّ تقديراً خاصاً لنصرالله. ومضى وحده من بين فريق 14 آذار في الحوار الثنائيّ، علّه ينقذ ما يمكن إنقاذه. لكنّه فُجع فجيعة مدويّة، وانتكست نظرته "البريئة" إلى الحزب وقيادته. قبل حرب تموز ـ آب، أعطي الحريري الكثير من الوعود، لا سيّما في ما يتعلّق بالبنود المدرجة آنذاك على طاولة الحوار، لكنّ شيئاً منها لم ينفّذ، لا بل تراجع "حزب الله" عن تعهّداته فيها.. لأسباب سيتبيّن لاحقاً أنّ لها علاقة بالمشروع السوريّ ـ الأيرانيّ. بيدَ أنّ حرب تموز ـ آب كانت الفاجعة والمفصل الأهم في تجربته السياسية. فليس فقط نكث الحزب بوعده بصيف مزدهر، بل هو مباشرة بعدها استدار إلى الداخل ليخوّن الحكومة والقيادة السنّية في لبنان.
هذه التطوّرات ونتائجها أنضجت سعد الحريري. نضج سنوات دفعة واحدة. وهو في موازاة حرصه على الوحدة الإسلامية، اعتبر أن من مقتضيات الحفاظ على هذه الوحدة أن يقول ما كان يتحفّظ عن قوله، وأنّ من واجبه "مواجهة" حزب الله بأخطار المشروع الذي يسير فيه. فليس صحيحاً على سبيل المثال أن قيادة الحريري للسنّة في لبنان تتوخّى نزع عروبة السنّة ونقل السنّة إلى المعسكر الأميركي ـ الغربي، بل الصحيح أنّ مشروع "حزب الله" يغيّر في هويّة المسلمين، سنّة وشيعة، وفي هويّة لبنان. وليس صحيحاً على سبيل المثال أن الحريري و"تيّار المستقبل" يديران الظهر للشراكة الوطنيّة بموجب اتفاق الطائف، بل الصحيح أن مشروع "حزب الله" هو الانقلاب على الطائف إلخ..
نسخة أخرى بعد حرب تموز سعد الحريري ما بعد حرب تموز غيره ما قبلها:افترض "حزب الله" أنه بالتهويل سوف يخيف الحريري الحريص على تجنيب لبنان التجارب المرّة وسوف يتراجع عن تصلّبه لمصلحة لبنان.
افترض "حزب الله" أنه بالتخوين سوف يدفع الحريري إلى استجداء شهادة بـ"الوطنيّة".
أخطأ "حزب الله" التقدير. فالشخصيّة الحواريّة التي يمثّلها وريث دارة قريطم، والشخصيّة "المهادنة" لمصلحة البلد، تمثّل عصباً رئيسياً من أعصاب البلد. لن تستطيع بحكم تكوينها الثقافي والسياسيّ أن تتحوّل إلى شخصيّة صِداميّة لكنّها شخصيّة مواجِهة عندما تتطلّب مصلحة البلد ذلك.
أخطأ "حزب الله" الحساب، لأنّ سعد الحريري كان قد اتّخذ قراره. وقراره يقول الآتي: إذا كان ثمّة من طريق إلى إشعار "حزب الله" بخطورة ما هو ذاهب إليه، فهذا الطريق هو أن يقف سعد الحريري في وجهه، وإذا كان من وسيلة لإعادة اكتساب "حزب الله" إلى البلد فهي أن يكتشف أن لا أفق إسلامياً أمامه في البداية، وإذا كان من سبيل إلى منع الانجرار إلى الفتنة، فهو تشكيل "توازن الرعب" أمام الفتنة. وتشكيل "توازن الرعب" يعني "الاستنفار" كي يفهم الطرف الآخر أن لعبه "على شفير" الهاوية سيتحوّل سريعاً إلى لعب "في الهاوية" نفسها.
المفاجأة:
إن تقدّم القيادة السنّية صفوف 14 آذار أمر "موضوعيّ" وليس تحريضاً مسيحياً ـ درزياً كما يزعم "حزب الله". وهذا التقدّم، هو مع سعد الحريري، "ذاتيّ" أيضاً. لم ينتبه "حزب الله" إلى أن أهل السنّة هم "القنبلة النووية" اللبنانيّة في مقابل ما يملكه هو من قوّة وصواريخ. لم ينتبه إلى أن إثارة السنّة هي مقتله السياسي الأساسي، وإلى أن علاقته بالمحور السوريّ ـ الإيرانيّ في موازاة هجومه على الوضع العربيّ تستفزّ أهل السنّة كما سائر اللبنانيين.
سعد الحريري لكلّ ذلك، كان مفاجأة "حزب الله" الكبرى.
من الواضح أن "حزب الله" حيال هذه المفاجأة، متوتّر.
لكن عليه، عندما يلاحظ أن زعيماً كوليد جنبلاط يقف اليوم "وراء" سعد الحريري، ليس بروتوكولياً ولا تخلّفاً سياسياً عنه، ولا تكتيكياً، أن يعيد الحسابات. فهل يفعل؟