اعترافات رئيس عربي......
عبد الباري عطوان
يواجه النظام الرسمي العربي محنة حقيقية، فهو بات عاجزاً عن تحقيق طموحات شعوبه في الديمقراطية والحياة الكريمة من ناحية، وغير قادر علي نيل ثقة المعلم الأكبر في البيت الابيض وتلبية جميع مطالبه في مكافحة الارهاب .
الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، أحد اطول المعمرين في نادي الزعماء العرب، كشف في مقابلة تلفزيونية لقناة الجزيرة أحد أبرز مواقع الخلل في هذا النظام ومؤسسة القمة التي تمثله، عندما قال ان نظيره المصري محمد حسني مبارك بعث اليه برسالة يطلب فيها مقترحات لتعديل ميثاق جامعة الدول العربية وكيفية تطوير العمل العربي المشترك.فالزعماء العرب، ومن واقع هذه الرسالة، يعتقدون ان المشكلة هي في الجامعة العربية، وميثاقها، وانها يمكن ان تحل بتعديل هذا الميثاق وتفعيل العمل العربي المشترك، وهو اعتقاد يكشف عن مدي ضحالة تفكير مؤسسة القمة العربية وسذاجة معظم اعضائها.
المشكلة لم تكن ابداً في الجامعة، ولا في ميثاقها، وانما في الزعامات العربية، وأي تعديل في هذا الميثاق سيجعل من اداء الجامعة أكثر سوءاً، ومن أمينها العام أقل فاعلية. فالجامعة هي انعكاس حقيقي للنظام العربي وأحواله، وربما لا نبالغ اذا قلنا ان بقاء الميثاق دون تعديل هو افضل من تعديله، لأن هذا الميثاق عندما جري وضعه كان يعكس واقعاً رسمياً عربياً نموذجياً بالقياس للواقع الراهن، حيث كانت هناك طموحات كبري بالاستقلال والتحرر والوحدة العربية، كما ان الانظمة التي وضعت ميثاق الجامعة وأقرته، كانت تتمتع بالحد الأدني من المؤسسات الدستورية، وفصل شبه كامل بين السلطات، واحترام لحقوق الانسان، وصحافة أقرب الي الحرية، وبرلمانات منتخبة. وفوق كل هذا وذاك ان فلسطين لم تكن مغتصبة، والعراق لم يكن محتلاً، والقوي الوطنية فيه لا تمول من قبل المخابرات المركزية الامريكية.
الأنظمة العربية في معظمها فاقدة السيادة والقرار المستقل، وتتعاون بالكامل مع الأجهزة الأمنية الامريكية ضد شعوبها، تحت ذريعة مكافحة الارهاب، ويحركها البيت الابيض بالروموت كونترول. والرئيس اليمني قال بصراحته المعهودة ان المخرج الوحيد من حال الانهيار العربي الراهن هو باتباع الخطوات نفسها التي اتبعتها الدول الاوروبية وتوصلت من خلالها الي وحدتها الحالية. ولكنه ينسي، ونفترض حسن النية هنا، ان المقارنة في غير مكانها، ونلخص اسبابنا في النقاط التالية:
أولاً: الدول الاوروبية التي تبنت فكرة الوحدة كانت تعد علي الاصابع، وركزت في البداية علي التجانس الاقتصادي والديمقراطي كأساس لهذه الوحدة. ولذلك لم تسمح لدول ديكتاتورية أو محكومة من قبل انظمة عسكرية مثل اليونان واسبانيا والبرتغال بالانضمام اليها مباشرة. والعنصران غير متوفرين في معظم الانظمة العربية، فالغالبية الساحقة من الحكام وصلوا الي الحكم إما عبر الانقلابات، أو من خلال عمليات التوريث غير الشرعية، سواء من الأب للابن، أو من الرئيس لنائبه.
ثانياً: جميع رؤساء الحكومات الاوروبية وصلوا الي السلطة في ظل تعددية سياسية حزبية، وعبر صناديق الاقتراع، وهي حالة نادرة ومنعدمة في معظم بلداننا العربية.
ثالثاً: لا يوجد زعيم اوروبي فوق الستين، أو في حال من الخرف أو العجز الكامل، أو حال من التحنيط، مثل نسبة كبيرة من الزعماء العرب. كما ان أطول فترة حكم لأي زعيم لم تتعد عشرة اعوام، لأن تجديد الدماء وتغييرها، والدفع بوجوه جديدة، ومن خلال العملية الديمقراطية، هو النهج المتبع.
رابعاً: القبيلة لا تحكم في اوروبا، ولن تحكم، والاعتبارات الاقليمية والمناطقية ليس لها أي مكان، والحدود الجغرافية ليست من الأمورالمقدسة.
خامساً: الدول المؤسسة للاتحاد الاوروبي اصرت علي الغاء عقوبة الاعدام في تركيا واصلاح سجلات حقوق الانسان فيها قبل السماح لها بالتقدم، مجرد التقدم بطلب العضوية، واستثمرت أكثر من خمسين مليار دولار في اسبانيا والبرتغال (قبل عشرين عاماً) لتأهيلهما اقتصادياً للانضمام الي السوق الاوروبية.
هذه الحقائق ربما تكون معروفة جزئياً أو كلياً للكثيرين، وأي منها غير متوفر في الغالبية الساحقة من الحكومات العربية. فالقبيلة هي التي تحكم، والحريات معدومة بالكامل، ونهب ثروات البلاد هو القاسم المشترك الذي يجمع الزعماء العرب وأسرهم وأبناءهم. يتحدثون باسهاب عن عدي صدام حسين وفجوره، ويعرضون الاشرطة عن حفلاته الماجنة، نعم عدي صدام حسين كان فاجراً، ولكن ماذا عن الحفلات الماجنة لزعماء عرب ما زالوا في السلطة، وانفقوا عشرات مليارات الدولارات في بناء القصور في اوروبا وغيرها، وعلي موائد القمار؟ .ماذا عن ابناء الحكام وازواج بناتهم واصهارهم، ماذا عن عمولات الاسلحة الضخمة، وماذا عن المقابر الجماعية في أكثر من بلد عربي. والسجون والمعتقلات الطافحة بالمعارضين الذين لا يعرف بعضهم تهمته؟!.
الرئيس علي عبد الله صالح قال ساخراً انه مستعد للاستقالة، ولكن لا يعرف لمن يقدم استقالته للأمين العام للجامعة أو للرئيس بوش. ونحن نقول له لا هذا ولا ذاك، وانما للشعب اليمني. فنحن نريد ان نري زعماء عربا يعترفون بالفشل ويستقيلون بفروسية ورجولة، مسجلين سابقة تذكرها الاجيال المقبلة بفخر، ولكنهم لا يستقيلون ويخططون لتوريث ابنائهم حتي يحملوا راية الفساد والديكتاتورية والقمع من بعدهم.
الرئيس اليمني يريد ان يبايع الرئيس مبارك زعيماً للعرب، والدولة العربية الكبري الموحدة، ونحن نقول له ان الوحدة هي اختيار شعبي، والبيعة هي للقائد الذي يقود الأمة نحو الديمقراطية وحقوق الانسان، والعدالة الاجتماعية، والقضاء المستقل، والتوزيع العادل للثروة، والقرار العربي المستقل، ولا نعتقد ان هذه الصفات، أو نصف واحدة منها، تتوفر في أي زعيم عربي، بمن في ذلك الرئيس مبارك نفسه الذي يريد الرئيس اليمني مبايعته.