ب
عد خطاب نصرالله...
قبل ساعات على خطاب حسن نصرالله صدرت صحيفة«لوموند» الباريسيّة حاملة في صفحتها الأولى صورة كبيرة نسبياً لنصر الله وقرب الصورة خبر غريب: فهناك، حسب الصحيفة الرصينة، «وثيقة سريّة» رفعها «موظّف كبير في المنظمة الدوليّة يشغل منصباً في المنطقة» كشف فيها وجود «مجموعة كوماندوس في لبنان تضم حوالي 50 شخصاً من عناصر القاعدة».
المجموعة هذه مؤلّفة من ناشطين قاتلوا في العراق وتسلّلوا عبر سورية الى لبنان، متمركزةٌ في مخيّم فلسطينيّ في شماله، عناصرها انضمّوا الى «فتح الانتفاضة»، ومقرّها دمشق، قبل أن ينشقّوا ليشكّلوا «فتح الإسلام». أمّا وظيفتها، حسب «لوموند»، فاغتيال 36 شخصية لبنانيّة مناهضة لسورية.
كان يؤمّل أن يقول حسن نصرالله شيئاً في خصوص هذه المعلومة الخطيرة، لكنْ لا. ذاك ان بعض هؤلاء الـ36 هم الذين صنّفهم خونةً في خطبته التي جمعت من التناقضات ما لا يجتمع في خطبة. فهو يطالب بـ «حكومة اتّحاد وطنيّ» تجمعه بخونة يُفترض أن يكونوا في السجن. وهو يستعرض بعصبيّة كلّ الاتّهامات التي تؤجّج الأعصاب وتتسبّب بانفجار الأحقاد، لكنّه يدعو الى عدم الانجرار وراء الفتن، فكأنّه يطلق العنان للأسباب ثمّ ينأى بنفسه عن النتائج.كيف يردم نصرالله فجوات كلامه؟ بإعلانه «التسامح». شكراً جزيلاً. وهذا قبل أن يعد بنصر على غرار النصر الذي حقّقه الصيف الماضي. ألف شكر جزيل!
لقد أعلن نصرالله ذات مرة بعد حرب الصيف انه لو قدّر حجم الرد الاسرائيليّ لما أقدم على ما أقدم عليه. ولم يحلْ إبداؤه الندم دون المضيّ في عزف المعزوفة القائلة ان «حزب الله» لم يبدأ الحرب! وهو، بدوره، واحد من التناقضات الكثيرة التي ضجّ بها كلام نصرالله في الأشهر الأخيرة ووجدت من يصدّقها ويشرحها ويبرّرها. والمهم، الآن، ألا يصاب بالندم مجدّداً فيما يستمرّ التوكيد على أن حكومة فؤاد السنيورة هي البادئة بالانقلاب!
ذاك ان الهجوم عبر الحدود والهجوم في الداخل متكاملان، وهو تكامل ينمّ عن احتقان مُركّب يرافق السعي الى تكريس الوطن ساحةً: يندفعون جنوباً فيتسبّبون بكارثة ثم يتعطّل دورهم بفعل القرار 1701، ثم يندفعون شمالاً فيتسبّبون بكارثة لا يزال من المبكر التكهّن بأحجامها.
يتمّ هذا بديلاً من طرح أسئلة - مسائل ملحّة على حزب وقائد لا يطرحانها على نفسيهما:
* إن الانتصار، على افتراض حصوله، هو الاستثمار السياسيّ والتحصين المجتمعيّ اللذان ينجمان عن فعل القتال ونتائجه. ومن يعاين الحال اللبنانيّة الراهنة حيث التحاقُد والتكارُه على أشدّهما بين طوائف اللبنانيّين، وحيث الوطن برمّته مرشّح للزوال، يتأكّد من أن ما حصل الصيف الماضي كان كارثة محضة.
* حتّى لو صدّقنا بأن ممثّلي الأكثريّة خونة (ولنفترض ان هذه الأكثريّة وهميّة لا تمثّل أكثر من ثلث اللبنانيّين)، فهذا يعني ان جزءاً ضخماً من الشعب لا يوافق على مبدأ المقاومة بعد حصول التحرير، وأنه يرى في بندقيّة «حزب الله» ما يخيف وما يستدعي تسلّح جماعات أخرى. ومَن كانت هذه حال شعبه استبعد العناصر المفجّرة لوحدة شكليّة، واضعاً جانباً القضايا الخلافيّة الكبرى، من نوع الحروب التي يمكن تجنّبها والسلاح المثير للمخاوف، وفي النهاية للاحتراب الأهليّ.
* ما من شكّ في أن نصرالله وبعض مستشاريه أذكى من أن يصدّقوا ما يقولونه، من أن تلك الحروب توحّد الشعب وتصهره ضدّ العدوّ، أو أن التصدّي لأميركا أو اسرائيل يفعل ذلك. فاللبنانيّون لن يتحوّلوا الى شعب ووطن الا عبر المرور بسلم أهليّ مديد يكونون خلاله مُحيّدين عسكريّاً عن الاستقطابات الحادّة.
* ما دامت البندقيّة علّة وجود «حزب الله» فإن رغباته اللبنانيّة سوف تبقى مُعاقة، تصطدم بمتطلّبات البندقيّة التي تؤمّنها سورية وإيران. وهذا يعني الاصطدام بمطالب بديهيّة، أقلّه لدى جزء واسع جدّاً من اللبنانيّين، كالمحكمة الدوليّة وضمان حماية الحدود الجنوبيّة للبلد.
* ان روح البلد الذي يُسمّى لبنان، المؤلّف من 17 طائفة والذي يتمتّع ببعض الخصوصيّات في منطقته، تتعارض مع أفكار المقاومة والتعبئة والتجييش والزعامة التوتاليتاريّة مما يتجسّد في «حزب الله». حتى الحلفاء العونيّون يستحيل الضحك عليهم بالمقاومة وإن أمكن الضحك عليهم بـ حكومة الوحدة الوطنيّة، وربما بوصول عون الى رئاسة من دون جمهوريّة. يتجلّى ما نقول بالمواقف الاجماليّة لرجال الدين وأرباب الأعمال وأصحاب المصالح المتوسّطة والصغرى من الاعتصام، وأخيراً بالحساسيّة الغالبة على الجيش.
* لا روح المنطقة تحتمل اللون الحادّ الذي يمثّله «حزب الله» ولا الوضع الدوليّ (على رغم اقتراحات بيكر - هاملتون التي تخضع لقراءات متسرّعة تتجاهل دفتر شروطها على سورية(.
وقصارى القول إنه يُستحسن ب نصرالله ان ينتبه لأنّه بمغامرته يورّط وطناً قابلاً بسهولة لأن يتورّط.