بين (حزب الله) و(شعب الله)
وليد أبي مرشد
Source: Elaph
بمجرد أن ارتضى حزب الله خوض غمار الساحة السياسة في لبنان بكل دنيوياتها ـ ولا نقول صغائرها ـ وبمجرد أن قبل المشاركة في حكومة لبنانية وفق برنامج سياسي محدد.. سقط مبرر ادعاءه التميّز نوعيا عن باقي الأحزاب اللبنانية وزالت دواعي تصنيفه لنفسه، كما أكد أحد قيادييه، بالحزب «غير الآدمي» (بمعنى انه فوق مستوى البشر)... علما بأن ادعاء هذه الصفة يفتح باب التساؤل عما إذا كانت بعض دوافع الحرب على إسرائيل، التي حشر اللبنانيين بها من دون استعداد أو إنذار، تعود إلى اعتبارات سياسية أم الى تنافس «غير الآدمي» على ادعاء تمثيل مشيئة الله (عز وجل) بين من يعتبرون أنفسهم «شعب الله» المختار في العالم... ومن بدأ يصنف نفسه بـ«حزب الله» المختار في لبنان.
ربما تثير هذه الظاهرة تساؤلا أشمل عما إذا كان ادعاء التواصل مع الله مجرد محاولة لاكتساب مصداقية سياسية مستعصية، أم انه مجرد إفراز جانبي لما يسمى، تأدبا، بـ«صراع الحضارات» ـ وهو صراع يبدو مرشحا للتفاعل بعد أن صب عليه البابا بندكتوس السادس عشر زيتا حامية في كلمته «الأكاديمية» في جامعة ريجنسبرغ، الاسبوع الفائت.
ولكن لا جدال في أن ادعاء صفة الحزب «غير الآدمي» تحمّل«حزب الله» اللبناني مسؤوليات جساما حيال تصرفاته، وتجعل من أخطائه ـ وجل من لا يخطئ ـ هفوات مميتة... وما يعدده معظم اللبنانيين من أخطاء ارتكبها الحزب خلال السنتين الأخيرتين كاف لأن يجعله حزبا «آدميا» ككل أحزاب لبنان الأخرى، إن لم يكن حزبا أخفق في التأقلم مع واقع لبنان التعددي.
وقد تكون المفارقة المفترض تسجيلها أن هذا الادعاء يجعل «حزب الله»، من حيث لا يدري، منافسا مباشرا لقائد آخر «يستلهم» الله في قراراته السياسية... أي الرئيس الأميركي جورج بوش الذي كشف يوما أن اقتراحه لدولتين، فلسطينية وإسرائيلية ، تتعايشان جنبا الى جنب على «أرض الميعاد» يعود الى وحي إلهي.
ولكن إذا جاز لـ«حزب الله» أن يدعي أن له طبيعتين وللآخرين طبيعة واحدة ـ «شيء خصصت به من دونهم وحدي» على حد قول الشاعر ـ فمن حق عباد الله المؤمنين أن يتساءلوا عما إذا كانت محاولة الحزب دفع اللبنانيين إلى صراع جديد، مع القوات الدولية (يونيفيل) هذه المرة ـ تعكس طغيان المنطق الميلشيوي على أي منطق آخر لدى الحزب.
جميل أن يتحدث الحزب عن الدولة القادرة والعادلة في لبنان، وأجمل من ذلك أن يعمل على تحقيق هذه الدولة ـ إذا افترضنا أنها ممكنة التحقيق مع بقاء سلطتين سياسيتين وعسكريتين على ارض لبنان.
ولكن مصداقية الدعوة لإقامة هذه الدولة لا تصطدم بتمسك الحزب بسلاحه فحسب بل بتركيزه على خطاب سياسي لم يخرج، خلال أكثر من عقد من الزمن، عن شعار«التحرير».
فبعد تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي برزت أولوية تحرير مزارع شبعا. وفي سياق السعي لتحرير مزارع شبعا ظهرت، بقدرة قادر، أولوية تحرير الأسرى اللبنانيين في إسرائيل... وقبل أن تتضح النتائج النهائية لمعركتي تحرير المزارع والأسرى يطرح الحزب اليوم شعار تحرير الجنوب من القوات الدولية ـ وربما هذه المرة بمساعدة خبير التحرير الآخر، حليفه الجنرال ميشال عون ـ وذلك عبر التحذير من وضع لبنان «تحت الوصاية الدولية»، أولا، وإبقاء دور القوة الدولية «في إطار مساعدة الجيش اللبناني وتحت إمرته لبسط الأمن والدفاع عن الحدود» فقط. ثانيا... وكل ذلك في وقت تدعو فيه فرنسا، عبر دورها المتميز في القوة الدولية، الى تأكيد أولوية «بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها» (بلسان الرئيس جاك شيراك) والى تحويل «يونيفيل» الى «قوة رادعة وذات صدقية» (بلسان وزيرة دفاعها ميشال أليو ـ ماري).
حرب الأيام الثلاثة والثلاثين أظهرت أن عبء التحرير أثقل من أن يتحمله «حزب الله» بمفرده، فهل أصبحت دعوات «حزب الله» المتكررة الى التحرير شكلا من أشكال الهروب الى الأمام من استحقاق الدولة... والدولة القادرة والعادلة بالذات؟