السيّد الالهي والضابط الصغير: هذا هو حزب الله هذا هو عون.....
د. نوّار القورشي
الفرس والاسلام
الفرس على ما تذكر كُتب التاريخ بمعظمها ، شكّلوا مصدر قلق واضطراب للشعوب العربية المحيطة منذ ما قبل ظهور الاسلام، ولطالما تدخّلت الأمبراطورية الفارسية بشؤون الجزيرة العربية وشجونها منذ ازمنة غابرة.
لم يعتنق معظم الفرس الدين الاسلامي بملء ارادتهم، بل اظهروا تشبّثاً منقطع النظير بعقائدهم الدينية التي تمحوّرت خاصةً باعتماد الزردشتية والمانوية التي ازدهرت في تلك الأرجاء لمّا مثّلته من بُعد روحي وفلسفي متطورّ في وجه اسلام بدائي مستورد من صحراء قاحلة (على حدّ ما اعتبر الفرس حينذاك) كما لعصبية قومية فارسية بوجه العرب وقبائلهم التي شكّلت عصب الدين الاسلامي الحنيف، فأمعن الفرس اذّاك بالعمل سرّاً لتقويض دعائم الدين الاسلامي ليخرجوا بعدها ببدعة "التأويل والاجتهاد" في الدين ثم ليقولوا "بالإمامة" و "عصمة الأئمة " وهي افكار استمدّوها من افكارهم المانوية والزردشتية التي ما برحوا يمارسونها في سرّ متبعين تقيّة ظاهرها "اشهار اسلامهم" وباطنها " الطعن في الاسلام واهم ركائزه" ....
اشترك الفرس في معظم الثورات والقلاقل التي شهدتها الخلافة الاسلامية، ولم يترردوا في تأجيج الخلافات بين الأخ و اخاه كما فعلوا يوم اشعلوا نار الفتنة بين المأمون والأمين ... ثم لم يتوانوا عن دعم حركات الانفصال داخل الجسم الاسلامي فشجعّوا الثورات واوفدوا الدعاة الفرس ينفثون سمومهم في الجسم الاسلامي كما تبنّوا الأفكار الالحادية وتستّروا خلف اسلامهم لتأويل آيات القرآن الكريم بما يتلائم ومصالحهم القومية الفارسية ومذاهبهم السالفة...
هذا ونجحوا في التسلل الى السلطة عبر اتّباعهم طرق ملتوية فاستمالوا بعض الخلفاء العباسيين كالخليفة هارون الرشيد قبل ان يتبّين له غشّهم ومواربتهم فيُنزل بهم نكبته الشهيرة التي عُرفت بـ "نكبة البرامكة"...وقد عبّر المؤرخ الشهير المسعودي المتوفي في القرن العاشر الميلادي عمّا يختلج نفوس الفرس من حقد واستهزاء تجاه العرب اصدق تعبير اذ قال:
الذين انتموا الى الزندقة كان اكثرهم فرساً، ولم تكن غايتهم دينية فحسب، بل كانوا الى جانب ذلك يدعون الى الشعوبية ومحاربة العرب والعروبة، ويسلكون الى ذلك سبيل السخرية والضحك من كل ما هو عربي ..."باستخدام العباسيين للفرس "سقطت قيادات العرب وزالت رياستها وذهبت مراتبها")المسعودي، مروج الذهب، ط باريس، ج 8، ص 292 (هذا وقد عبّر الخميني عمّا يضمره للشعوب العربية حين صرّح بُعيد اندلاع الحرب العراقية العربية- الأيرانية الفارسية : " ان على كافة الشعوب المسلمة ان تعرف معنى كلام صدام حسين- حين قال : نحن عرب - اي اننا لا نريد الاسلام، والعرب ارادوا في وقت ما، الوقوف في وجه الاسلام... ان هؤلاء يريدون ان يحيوا عهد بني اميّة، كما يريدون العودة الى ذلك العهد الجاهلي لتكون القوة عربية والنفوذ عربي" __الإمام الخميني- لقاء مع ممثّلي لجنة التعبئة الإيرانية- 18/4/1980
باختصار يسعى الفرس عبر تلبّسهم لباس الاسلام الى فرض سيادتهم ورياستهم على الشعوب العربية و السنيّة منها على وجه التحديد ، وهم قد توسّلوا كافة الطرق لتحقيق مآربهم .
حزب الله مشروع عقائدي:
يحرص حزب الله منذ نشأته على ايجاد الأرضية الشعبية الخصبة لتحقيق مشروعه الذي لم يتردد يوماً في المجاهرة به الا وهو قيام "الجمورية الاسلامية في لبنان" .
حزب الله على غرار الأحزاب العقائدية كافة دأب منذ تأسيسه على بلورة فكر ديني ايديولوجي متماسك هدف لتقييد حركة الفكر وفرملة تطوّر العقل لعزله في إطارٍِ محدد يصعب معه التلاقي او التماهي مع ايٍ من الأفكار المستوردة التي غالباً ما ميّزت لبنان التعددية حيث تتفاعل المجموعات الثقافية اللبنانية الواحدة بالأخرى لتُنتج هذا الغنى الروحي والتمايز الحضاري...
استطاع حزب الله ان يحوّل مناصريه من قيمة بشرية وانسانية الى مجرّد اعداد وارقام تُبرمج لتسير وفق خطّ بياني محدد الاطر والآفاق، إطارٍعازل للتفاعل الانساني والحضاري، وعاجز عن التعاطي مع مستجدّات المرحلة ومستلزماتها، فالأمور بالنسبة له لا تحتمل التأويل او الاجتهاد، هي امّا ابيض او اسود، لا مكان للرمادية اللبنانية التوافقية الميثاقية في قاموسه الايديولوجي المعقّد.
لحزب الله برنامج متكامل استطاع من خلاله ان يحقق نجاحاً منقطع النظير ضمن البيئة الشيعية الاثنا عشرية في لبنان، هو برنامج استمّد فلسفته وكل الدعم اللازم لنموّه وسيادته من الأمبراطورية الشيعية الفارسية الناشئة والمترامية الأطراف... ولم يكن الشيعة ليتعرّفوا الى هذا المشروع "الثوري الامامي الجهادي المقدّس" وينخرطوا فيه لولا سطوع نجم الامام الخميني ونجاح ثورته في العام 1979... قبلها كان الشيعة بمعظمهم متآلفون ومجتمعاتهم المركّبة راضون بما آل اليه وضعهم السياسي ، الديني والاجتماعي بعد انهيار الامبراطورية العثمانية السنيّة وقبلها سلطنة المماليك التي امعنت فيهم فتكاً وتقتيلاً.
اتبّع الشيعة مبدأ "التقيّة" الايجابية التفاعلية ضمن بيئاتهم ومجتمعاتهم ذات الغالبية السنية الطاغية، "تقيّة" استنبطوها من فلسفة عقائدهم الدينية واقوال ائمتهم المعصومين ، فاستطاعوا التعايش والانفتاح على "السنيّ" الآخر الذي غالباً ما شكّل لهم مبعث قلق واضطراب وجداني مزمن ...
تماهى الشيعة و "تقيتّهم" فذابوا فيها وامتزجت بهم، ولأجل ذلك ادّعى معظم روّادهم ومفكّريهم تبنّي الأفكار العلمانية وحتى الالحادية فشهد القرن الماضي زحمة انخراط شيعية في الأحزاب اليسارية والعلمانية، قبل ظهور الامام موسى الصدر التي اسهمت الشعبة الثانية اللبنانية في ابرازه رغبةً منها في ضرب الزعامات الشيعية التقليدية لحساباتٍ سياسية ومناطقية ضيقة مرتبطة بالتركيبة الداخلية اللبنانية وبكل تعقيداتها.
نجح الامام موسى الصدر في استقطاب الشارع الشيعي من خلال محاكاته لهذا الوجدان الديني الراقد هناك... "في احد سراديب سمّراء" منذ القرن التاسع للميلاد...فأعاد له النبض والحياة قبل ان ينظّمه في إطارٍ سياسي- عسكري حمل لواء نصرة "المحرومين " الذين ما برحوا يتعرضّون للصفعة تلو الأخرى منذ واقعة كربلاء... و"مقتلة الطالبيين"...
ان تبلّور الفكر الشيعي الذي ارسى اسسه الأولى الأمام موسى الصدر ما لبث ان تطعّم بايديولوجية الثورة الشيعية في ايران ، التي رمت في ما رمت اليه، الى إحلال مفهوم ولاية الفقيه وانشاء الجمهوريات الشيعية الواحدة تلو الأخرى على ان يكون ولائها وارتباطها الأول والأخير بالدولة الأم، عنيت جمهورية فارس الشيعية...
حزب الله بمواجهة السنّة: تشييّع وتفريس
من اولى الأمور التي هدفت ايران اليها عبر انشائها حزب الله هو فرض الهيمنة الشيعية في وجه السنّية من جهة والتفريس في مقابل التعريب من جهة اخرى، وقد سعى هذا التنظيم المُتّهم بقيامه بأعمالٍ ارهابيّة شتّى، لاسيّما خطف الرهائن الغربيين وتفجير مقرّات القوات المتعددة الجنسيات في بيروت، الى محاولة ترهيب واخضاع الزعامات السنّية في لبنان تمهيداً لإفراغ الساحة الاسلامية السنية من قياداتها بهدف استلام زمام المبادرة، وقد تكشُف الأيام تورطّاً شيعياً مباشراً في اغتيال المفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح وحتى الرئيس رشيد كرامي الذي كان قد فتح قنوات اتصاّل سريّة بأركان الجبهة اللبنانية لاسيّما الرئيس كميل شمعون اسابيع قليلة قُبيل اغتياله.
تزامن هذا الأمر مع جهود حثيثة لعرقلة مشاريع الرئيس الحريري الاقتصادية والانمائية، فتم التصدّي لمشروع "اليسار" واُتّهم الرئيس الشهيد بالعمالة للغرب وبالتحريض على ما يُسمّى "المقاومة" وتم تقويض انجازاته الاصلاحية عبر افتعال ازمات عسكرية في الجنوب اللبناني تُفضي في ما تُفضي اليه الى ذهاب جهود الرئيس الحريري ادراج الرياح، وإغراق البلاد في عجزٍ شامل...لم يجرؤ حزب الله يوماً على التعرّض المباشر للرئيس الحريري لما يتمتّع به من حصانة دولية وثقل شعبي، فتم خلق التناقضات للرئيس الشهيد عبر توفير الدعم السياسي لإميل لحوّد تارةً وتجنيد الأصوات الرخيصة والدنيئة تحت قبّة البرلمان امثال نجاح واكيم وغيره لمهاجمة الحريري والتجريح به تارةً اخرى...
عملية استهداف السنيّة السياسية من قبل حزب الله في لبنان بلغت اوجّها مع اقرار مجلس الأمن القرار 1559 الداعي الى انسحاب الاحتلال السوري من لبنان ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ،اُتّهم الرئيس الحريري بالسعي لدى دوائر القرار الدولية بتمرير هذا المشروع، فتضافرت جهود المحور الشيطاني السوري- الايراني للقضاء على الحريري والتخلّص من العقبة الأخيرة والصخرة الصلبة في وجه المشروع الشيعي الفارسي في المنطقة ، فالرئيس الحريري شكّل بوجوده ضمانةً لاستقرار لبنان وعروبته الحضارية المتوافق عليها في الطائف، ذاك الاتفاق الذي حرص حزب الله منذ اللحظة الأولى لاقراره على التهديد " بتمزيقه" لمّا يمثّله اتفاق الطائف من تحجيمٍ لطموحات حزب الله التوسّعية-الديمغرافية ، ولكيانية لبنان النهائية في وجه مشاريع الالحاق بالمحاور الاقليمية، ولعروبة لبنان الحضارية في وجه التفريس والتشيّع...
وهكذا امر الفارسي الايراني ، خطط العلوي السوري، ونفّذ حزب الله الاثنا عشري ...وسقط الرئيس الحريري شهيد سيادة لبنان واستقلاله...لم يكتفِ حزب الله بذلك بل سعى عند كل محاولة لتشكيل المحكمة الدولية الناظرة بجريمة الاغتيال الى عرقلة مسيرتها ووضع العصي بالدواليب رغبة منه في إخفاء معالم جريمته وخيوط تآمره وخيانته...
تعدّي حزب الله على الرموز السنّية الوطنية لم يقف عند هذا الحّد فضُّخت السموم الاعلامية وتم تشويه ذكرى اغتيال الرئيس الحريري ، فدعي اتباعه بـ" الشباطيين" وبجماعة "14 شباط" يوم استشهاده دون ايلاء اي احترام لتلك الذكرى الأليمة ولا لذلك اليوم الذي تقطّرت به قلوب اللبنانيين الوطنيين وقلوب ابناء الطائفة السنيّة دماً لفقدان شهيدهم الغالي...
وامعن هذا التنظيم الفارسي في غيّه ، فوجّه غلمانه لتحطيم نصب شخصية سنيّة وطنية ميثاقية الا وهي صائب سلام ، موجّهاً رسالة لآل الحريري بما يمكن ان يؤول اليه ضريح الشهيد الحريري في حال استمرّ تيار المستقبل في نهجه الاستقلالي...دون ان نغفل تلك البندقية الحربية التي اهداها حسن نصرالله لرستم غزالي عربون وفاء لما قدّمه غزالي في سبيل "جمهورية لبنان الفارسية الشيعية" ولدوره المتميّز في تصفية الرئيس الشهيد الحريري...
حزب الله لافراغ لبنان من مسيحييه: تمدد ديمغرافي وتصفية جسدية
نظرة حزب الله للدور المسيحي في لبنان تنّم عن حقد وعدوانية دفينة، لطالما اعتبر حزب الله الشمولي التوّجه ان المسيحيين في لبنان بكل ما يمثّلونه من انفتاح على الثقافة الغربية واحترام للديمقراطية وتعدد الآراء ، خطراً مُحدقاً بمشروعهم الانغلاقي المذهبي الموتور .
سعى حزب الله لتهجير المسيحيين عبر اتبّاعه اسلوباً مباشراً وغير مباشر، فقام تحت شعار "مقاومة" الاحتلال الاسرائيلي بنصب الكمائن وزرع العبوات – الشبيهة جدّاً بطريقة استهداف النائب جبران تويني والياس المر وغيرهما- على الطرقات المؤدية للقرى والمدن المسيحية في الجنوب اللبناني ، فنتج عن ذلك استشهاد مئات المسيحيين الأبرياء ..وقُبيل انسحاب اسرائيل من لبنان وجه حسن نصرالله تهديداً مباشراً للعائلات المسيحية بذبحها داخل مخادعها واسرّتها ممّا سبب هلعاً في صفوف المسيحيين الذين آثروا النزوح الى اسرائيل حرصاً على ارواحهم وسلامة عائلاتهم.
هذا وقام حزب الله باستهداف واختطاف الناشطين المسيحيين ، فتم اختطاف المسؤول الكتائبي بطرس خوند على خلفية علاقته باختطاف الدبلوماسيين الأربعة في العام 1982 ، ثم تمّت تصفية الوزير الياس حبيقة وبعدها تم اختطاف الناشط القواتي رمزي عيراني قبل قتله ووضعه داخل صندوق سيارته ، لتكّر سبحة اغتيال القيادات المسيحية الشاّبة المخوّلة لعب دور مسيحي مستقبلي ، فتم اغتيال زعيم الروم الارثوذكس المستقبلي جبران تويني ، وقبلها حاولوا استهداف زعيم الأرثوذكس الآخر الياس المر، كما اغتالوا زعيماً مارونياً شاّباً ، إضافةً الى نخبٍ فكرية وثقافية امثال سمير قصير ومي شدياق ...
هذا الحزب الشمولي التيوقراطي يدرك بما لا يقبل الشّك ان الوجود المسيحي في لبنان مرتبط بشكل او بآخر بالاستقرار السياسي والاقتصادي ، فعادةً ما يفضّل المسيحي هجرة لبنان عند اوّل شرارة لا استقرار امني او سياسي ، وهو بخلاف الآخرين يعشق ثقافة الحياة والحرية وينبذ المظاهر الكربلائية الدموية بكل ما تمثّله من تحريض على الثأر وسفك للدماء...حزب الله اذاً يسعى لافراغ لبنان من مسيحييه تمهيداً للتمدد الشيعي الديمغرافي في الخاصرة المسيحية الرخوة بعد مواجهته صعوبة كبيرة في التمدد على حساب العامل السنّي الذي يسير وايّاه في خطّ متوازٍ على الصعيد الديمغرافي .
هذا الحزب لم يخفِ رغبته بالسيطرة على رئاسة الجمهورية اللبنانية ، وهذا الأمر لا يتم الاّ عبر إضعاف الحلقة المسيحية ودفعها للهجرة واليأس، وقد عبّر وزير حزب الله طراد حمادة عن ذلك اصدق تعبير عندما صرّح لجريدة نيويورك تايمز رغبة الشيعة بالوصول الى رئاسة الجمهورية، كما لم يتوانَ القادة الشيعة عن المطالبة باستحداث مقعد "نائب رئيس" الجمهورية اللبنانية لتخصيصه للطائفة الشيعية ...
ان تركيبة حزب الله العقائدية ونظرته الشمولية الآحادية حتّمت على مؤسساته الاجتماعية والأمنية السهر على ولاء مؤيديه لقيادتهم والحفاظ على روحهم المعنوية العالية وذلك من خلال شحنهم طائفياً ومذهبياً وتحريضهم ضد كل ما هو غير "شيعي" وهذا ما ينعكس ضيق صدر الجماعة الشيعية وعدم تقبّلها للرأي الآخر الذي غالباً ما يشكّل لها مصدر اضطراب وغليان خاصةً اذا ما ارتدى هذا الرأي المخالف طابعاً حاّداً او استفزازياً احياناً كالّي مثّله خطاب الشهيد جبران تويني والوزير الشهيد بيار الجميّل...
لأجل ذلك عمد حزب الله الى التخلّص من كافة اخصامهم السياسيين بهدف الحفاظ على الروح المعنوية العالية لمناصريه ، فجبران تويني الذي شبّه جمهور 8 آذار بـ"الأغنام" كان لا بّد من ان يلقَ عقاباً "الهياً عادلاً" ليتم بعدها الرقص ابتهاجاً في ازّقة الضاحية الجنوبية وتوزيع الحلوى واطلاق الرصاص ابتهاجاً... والوزير بيار الجميّل الذي حّط من قدر جمهور حزب الله الألهي يوم تحدّث عن "الكميّة النوعية" كان لا بّد من معاقبته لكي يكون عبرةً لمن اعتبر، ولاستنهاض معنويات هذا الشارع المتعطّش لسفك الدماء ، وعلى غرار السيناريوهات السابقة، تم اطلاق الرصاص ابتهاجاً في الضاحية الجنوبية وأُزيح الكرب والغيط عن صدور "جمهور حزب الله المحتقن" دائماً وابداً...
استلحاق حزب الله للضابط الصغير ميشال عون:
بات جليّاً للجميع ان الضابط ميشال عون مأخوذ بالمواقع السلطوية ولا سيما الرئاسية منها على وجه التحديد ، حزب الله ادرك هذه الواقعة فعمد الى التغرير بالضابط عون لاستدراجه الى محاوره الاقليمية مقابل تسهيل وصول الأخير الى رئاسة الجمهورية، فتم تتويج هذا التلاقي ورقة تين "تفاهمية" لستر عورة هذه الزيجة اللاطبيعية!!!
يبغي حزب الله من وراء ذلك تأمين غطاء مسيحي لأنشطته المستورة والمشبوهة ، كما يرمي الى الاستفادة من كتلة الضابط عون النيابية في سبيل عرقلة الاطاحة بإميل لحوّد صنيعة حزب الله الأبرز... حزب الله من جهة اخرى يسعى لتقزيم دور الضابط عون على الساحة المسيحية وان كان يحاول الإيحاء عكس ذلك، فالتعامل مع قائد قوي هو غيره مع قائد فاقد للشرعية الجماهرية ، واستلحاق سياسي مفلّس شعبياً هي غير النديّة التي تتميّز بها العلاقة المتوازنة... لأجل ذلك قام حزب الله بتضييق مساحة المناورة امام الضابط عون ومراهقيه ، فتم جرّه الى حيث لا يريد ، فُشنّت الحروب العبثية وتم اختطاف الجنود الاسرائيليين وهي اعمال ينفر منها المجتمع المسيحي ، ثم لاحقاً تم اطلاق الصواريخ من مناطق مسيحية في المتن الجنوبي دون اي مراعاة لعلاقة حزب الله بالتيار العوني ، وكأن الهدف من وراء ذلك عزل الضابط عون مسيحياً واستلحاقه كلّياً بالمحور الشيعي السوري ، وقد عبّر عن هذه النقمة النائب نعمة الله ابي نصر حين قال ان حزب الله لم يستشر التيار العوني بأي خطوة يتّخذها...وثم استُدرج التيار العوني للمشاركة في التظاهرات المطلبية لم يكن في اجندة العونيين ان حزب الله سوف يستغّل المناسبة لرفع شعارات تأييد لسيّده احمدي نجاد وبشّار الأسد، وهذا ما سبب احراجاً منفطع النظير للضابط عون وقواعده الشعبية...
ولو استدرك الضابط عون الموقف لكان فوّت على حزب الله فرصة التلاعب به وبالشعب المسيحي ، الاّ ان عون وكعادته تعامل مع الأحداث بأسلوب انفلاتي انفعالي استعلائي فكانت التداعيات سريعة، هزائم تلو الأخرى على الصعيد الجامعي ولاسيّما في قلب العرين العوني اي جامعة الأنطونية بعبدا بكافة فروعها، وانفضاض التأييد والعطف المسيحي من حول التيار العوني وممثلّيه.
ويوم استدرج حزب الله التيار العوني لمواجهة مفتوحة من حكومة "فيلتمان" حسبما اسماها ، لم يكن في ايٍّ من حسابات الضابط عون ان الثمن الأولي لذلك هو اغتيال ابن الكتائب والقوات اللبنانية بيار الجميّل، فانهار بنيان عون الرملي ، وتفرّق "العشّاق" العونيون ونزعوا شاراتهم فيما نزل المواطنون المسيحيون الغاضبون الى الشوارع لتمزيق وحرق صور "يهوذا الاسخريوطي" واقتحام ما اعتبروه "بؤر حزب البعث" ومواخير الفساد العوني داخل المناطق المسيحية.
الضابط عون، الفاقد للشرعية المسيحية وجد نفسه معزولاً ضمن جدران منزله في الرابيه، اذ ان "زعيم المسيحيين" الأوحد بات منبوذاً مطروداً من البيوتات المسيحية العريقة ، وبات حضور الضابط عون لمأتم الشهيد الجميّل اشّد وطأة على المسيحيين من حضور ممثلي حزب البعث او الحزب القومي السوري وغيرهما...
اعطى الضابط عون كل ما "ملكت يمينه" لحزب الله ، فبادره الأخير بالطعنة تلو الأخرى، قدّم الضابط عون رأس "ثورة الأرز" لطغاة حزب الله على طبق من فضّة، فقدّموا رأسه وصوره مداساً للثوار المسيحيين الغاضبين...
فهل استفاق هذا الضابط الموتور من هلوسته ..وهلاّ ادرك ماذا اقترفت يداه؟؟؟